responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : دستور الأخلاق في القرآن نویسنده : دراز، محمد بن عبد الله    جلد : 1  صفحه : 494
قدمت لنا أيضًا عائشة مثالًا رائعًا على هذا الإيثار، وهذه الغيرية، فيما رواه مالك في موطئه قال: "بلغني عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أن مسكينًا سألها وهي صائمة، وليس في بيتها إلا رغيف، فقالت لمولاة لها: أعطيه إياه، فقالت: ليس لك ما تفطرين عليه، فقالت: أعطيه إياه، قالت: ففعلت ... إلخ"[1].
وبذلك نرى ما كانت تستهدفه هذه الأنفس الشريفة، فما كان لإغراء المنافع المشروعة في الحياة المادية، أن يستميلهم، ويضطرهم إلى طلبها، أو استعمالها عندما تكون في متناول أيديهم. لقد اقتعدوا قمة السلم الأخلاقي، بحيث ما كان لأمر ينشأ عن ذلك الهم المادي أن يحملهم على الهبوط منها، حتى لو كان في صورة موافقة، أو دعوة إلى الخير الأخلاقي الشائع المفضل, اللهم إلا أن تصبح هذه الدعوة تكليفًا، بمعنى أن يكون أمرها أمر حفاظ على الحياة بالمعنى الدقيق للكلمة، فحينئذ يكون لهم فضل النزول في النهاية، ولكن بقدر ما يؤدون هذا الواجب المحدد، الملح إلى أقصى حد، ثم يصدعون مرة أخرى إلى مكانهم الأثير.
وليس يعوزنا أن نقدم في الجانب المضاد أمثلة أخرى من بين صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فنظير حالة أبي هريرة، يمكن أن نضع حالة رجل من أغنياء الصحابة كابن عوف.
والحق أن الزهادة يمكن أن ينظر إليها على أنها كانت استثناء في العالم الإسلامي، ولم تكن القاعدة العامة، فإذا اعتبرناها من وجهة نظر مجردة فلسوف نعترف بأن تعميمها من أضر الأمور بحسن سير الحياة الإنسانية، لا من الوجهة المادية فحسب، بل من الوجهة الأخلاقية أيضًا.

[1] الموطأ, جـ3, باب الترغيب في الصدقة.
نام کتاب : دستور الأخلاق في القرآن نویسنده : دراز، محمد بن عبد الله    جلد : 1  صفحه : 494
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست