الإيمان مهما بلغ، تزيده بما يدعمه ويحصنه، فلا يتزلزل أمام عوادي الزمن.
أما أهل الإيمان, فيرى أن الإيمان الذي يحتبس في حدود الذكاء إيمان مقيد مبتور، إن لم نقل: إنه غير موجود، وهو يشهد، في الواقع، بأن ثقتنا في موضوع تصديقنا أدنى من ثقتنا في أنفسنا، أعني: في أنوارنا الجزئية.
وإذن، فلا إيمان بالمعنى الصحيح، إلا حيث تنقطع هذه الأنوار، وإلا حيث لا نلجأ إلى أي دليل خاص ومناسب؛ لكي ندعم صدق قضية معينة وعدالتها، بل نلجأ إلى سبب شديد العموم يشيع في كل شيء ولا يكمن في القضية المطروحة، وإنما في السلطة التي تطرحها.
ويضيف أهل الإيمان إلى ذلك أن من يعتمد على أنواره الخاصة، كيما يوفق بين نيته وأهداف التشريع الإلهي، يظل دائمًا دون المثل الأعلى الكامل، مهما يكن نزيهًا في غرضه، ومهما سما هدفه. إذ إن الفكر مهما كان نزيهًا، ومهما سيطر عليه الاهتمام بإقرار نظام عالمي عادل ونزيه، لا يظل مقيدًا بالمخلوق دون أن يحقق الارتفاع إلى الخالق فحسب -بل إن أي جهد عقلي لا يستطيع مطلقًا أن يطمئن إلى قدرته على أن يكشف حِكَم الله في هذا النظام أو ذاك، وأن يحيط بها علمًا.
وإذن فلا شيء من هذه الأهداف التي تتجه إليها جهودنا سوف يكون مساويًا في القدر أو الرفعة لما يقوم برضا العقل الإلهي، وهو رضا لا ينال كاملًا إلا حين نريد ما يريد ذلكم العقل وبسبب العلل المعروفة، والمجهولة التي يمكن أن يدركها.
وهنا نقطة الذروة التي تحكم كل القيم، والتي لا يوجد فوقها أي هدف ممكن لأكمل النوايا.