وتتضمن إحداهما الأخرى. ومع ذلك فليس ينقص من الحقيقة أن أسمى الوجهتين، وأرحبهما أفقًا، هي وجهة نظر الإيمان المطمئن، والخضوع المطلق، فهي التي تستلزم بالضرورة الوجهة الأخرى، دون أن تكون مستلزمة لها بنفس القدر من الضرورة.
فقد يجوز في الواقع -وهو ما يحدث غالبًا بالنسبة إلى الملاحدة- أن يكون السعي في سبيل الخير العام من حيث هو صادر عن نوع من الاستعداد الفطري الخير، الذي يحبب إليهم الإحسان، ويزين لأعينهم العدالة لذاتهما، بمعزل عن أوامر الشرع ووصاياه. ولقد رأينا أن هذا النوع من التلقائية ليست له قيمة أخلاقية, على حين أن فكرة طاعة الله لا تخلو مطلقًا من إدراك أوامره على أنها أحكم الوسائل التي تهدف إلى تحقيق أعظم الخير للإنسان، وللكون أجمع. فإذا كان طول النظر، وعمق التأمل، شرطًا في صيرورة هذا المفهوم واضحًا غير ملتبس, راسخًا غير مهتز, وإذا كان توفر درجة أسمى من درجات التقدم الأخلاقي شرطًا في بلوغ هذا المفهوم مركز الصدارة من أفق الضمير، فإن ذلك لا يحول دون أن يكون متضمنًا في عقيدة الإيمان، وهو موجود فعلًا؛ على الرغم من أنه قد يكون غامضًا، على نحو ما, في نفس كل مؤمن، حتى لو كان من أوساط المثقفين.
فلنمسك الآن عن القول في هذه الدرجات المتنوعة من المثل الأعلى الأخلاقي، كيما نلخص الحديث عن الصيغة الأساسية الصالحة لمختلف الدرجات. هذه الصيغة هي: توحيد موضوع الإرادة مع موضوع الشرع، سواء توقفنا عند شكله، أو تغلغلنا في جوهره. ولو أن المرء ثبت نظره على هذا الموضوع فسيجد فيه "الموضوعية" التي تعرف بها شجاعة النفس وشرفها، سواء حين يقف بعيدًا عنه، إجلالًا لمشرع، أو حين يقترب منه بجاذبية الحب، وبدافع العرفان.