هو المبدأ "الثالث المستبعد في الأخلاق", فليس بين الفضيلة والرذيلة من حد وسط، فحيثما لا يكون فكرنا موصولًا بالله فإنه ينقلب ضده.
وما هكذا يفكر المعتدلون الذين هم الأغلبية، ولسوف نرى أن اعتدالهم ينتهي في آخر المطاف إلى ما نطلق عليه: الصرامة الكانتية.
لقد تساءلوا أولًا عما إذا كان هذا التجرد المطلق حيال الفطرة ممكن الوقوع عمليًّا، أو حتى إذا ما كان ممكنًا إنسانيًّا؟ فمن منا يستطيع أن يتباهى بأنه لا يعرف الاهتمام بشخصه، وبأنه يطيق أن يستغني عن كل نتيجة، أخلاقية أو مادية، قد ينتجها نشاطه؟ من ذا يستطيع أن يدعي أن الصحة، والحياة، والرفاهية، والسلام، والصداقة مع الجار، وحتى العلم، والذكاء، وكيفيات القلب، والعقل، هي في نظره أشياء لا قيمة لها، وليس لها قط جاذبية، أو سلطان عليه؟
لقد استطاع أبو بكر الباقلاني أن يصف أنصار هذا التجرد المطلق وصفًا قاسيًا، فقضى بتكفير من يدعي البراءة من الحظوظ، وقال: هذا من صفات الإلهية، وحاول أيضًا أن يرد عليهم أدلتهم الدينية. لقد كانوا يريدون في الواقع بهذه الطهارة المزعومة للنية أن يجنبوا المؤمنين أن يقعوا في هذا النوع من الشرك، الذي هو عبادة المنفعة، لقد أرادوا البراءة عما يسميه الناس حظوظًا، ولكن الباقلاني يلاحظ أنهم بهذه القرينة يقعون في الشر الذي أرادوا أن يتجنبوه؛ لأنهم لم يفعلوا سوى أن ألهوا الإنسان، حين خصوه بدرجة من الكمال، هي في الحق صفة من صفات الله[1].
وبدون أن نذهب إلى حد الزعم بأن الإنسان لا يتحرك إلا لحظ ومنفعة، [1] الباقلاني: ذكره الغزالي في الإحياء 4/ 369، وأيده.