responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : دستور الأخلاق في القرآن نویسنده : دراز، محمد بن عبد الله    جلد : 1  صفحه : 538
هذا النحو من القسوة. فهم يبرئون المتطرف بالنقيض المتطرف، حتى يعود المرء بعد ذلك إلى الوضع العادي، ومتى ما انطرحت عن نفسه أثقال هذه القوى المناهضة للأخلاق سمح لها بإرخاء العنان لجوارحها شيئًا فشيئًا، إذ كانت مطمئنة منذئذ إلى قدر من النور في القلب، يعصمها من الوقوع في ظلمات الحواس بسهولة.
هذه الطريقة في معالجة نفس المبتدئين في الطريق بقسوة لا تبدو لنا مع ذلك إبداعًا أو ابتكارًا، حين نضعها في مجموع النظم الإنسانية المناظرة لها، فلقد اتبع الناس في كل عصر نفس المنهج كلما أرادوا أن يحدثوا تغييرًا ذا طابع عميق، وهكذا تصنع الأم لتفطم ولدها، كما يفعل المروض ليستأنس الوحوش، ويدرب جوارح الصيد[1].
أما فيما يتعلق بالنساك أنفسهم، فلما كان سعيهم إلى اكتساب التطهر بالجهد والجهاد، فليس من المستبعد أنهم قد فرضوا على أنفسهم هذه القساوة في بداية[2] مضمارهم. لكنهم إذا تخطوا هذه المرحلة التعليمية يتبعون بصفة عامة المسيرة العادية، ولا يلجئون من بعد إلى هذا التكلف.

[1] انظر: كتاب الرعاية للمحاسبي ص79-80، وأيضًا كتاب الرياضة للحكيم الترمذي ص375 من المجموع, قال: فكذلك النفس إنما تجيب ربها -عز وجل- فيما أمرها بعد فطامها عن عادات الأمور التي اشتهت ولذت، فإذا فطمتها ألزمتها الدعاء، وثناء الرب ومدائحه ونجوه، حتى يأنس بذلك، ويألف الذكر، حتى ينكشف الغطاء بعد ذلك فيألف ربه -عز وجل- وكذلك تجد الصبي قد ألف ثدي أمه، حتى لا يكاد يصبر عنه ساعة، فإذا فطمته اشتد على الصبي وبكى وقلق، فإذا دام الفطم نسيه وأقبل على الطعام والشراب، فكلما وجد حلاوة الأطعمة والأشربة هجر الثدي، وعاف ذلك اللبن، وكذلك الدابة ... إلخ. وضرب الترمذي قبل هذا النص مثلًا بالبازي يربى ويدرب حتى يأنس بصاحبه ويألفه إذا دعاه. "المعرب".
[2] وذلك كأن نجد سهل بن علي المروزي وقد تعود حينًا ألا يمر بالسوق إلا مغضيًا بصره، وسادًّا أذنيه بقطع من القطن، وفي نفس هذه المرحلة من الزمن كان يأمر أخت زوجته أن تستتر دونه، ولكنه بعد ذلك هجر كل هذه الاحتياطات. وهناك شخصية أخرى، لم يذكر اسمها، من جيل التابعين، فرضت على نفسها الصمت المطلق لسنوات عديدة، وقد وضع الرجل في فيه دائمًا حصاة، لم يكن يخرجها إلا لحظة الصلاة، والطعام.
"المؤلف". انظر: كتاب الرياضة للحكيم الترمذي, ص375-376 من المجموع. "المعرب".
نام کتاب : دستور الأخلاق في القرآن نویسنده : دراز، محمد بن عبد الله    جلد : 1  صفحه : 538
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست