أليس من المسموح به، بل من الموافق للسُّنة الحسنة أن يكون المرء أكثر حرصًا على هيئته الظاهرة، وطريقة لباسه في المجتمع، من حرصه على ذلك مع من يألفهم، وهو أمر أكدته السُّنة، فلقد "كان -صلى الله عليه وسلم- يلبس رداء إذا خرج"1
كما ينبغي على المرء أن يكون أحرص على ذلك في المجتمعات منه في العمل، وهي سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي قال: "ما على أحدكم لو اتخذ ثوبين لجمعته، سوى ثوبي مهنته" [2].
ولكن أداء المرء لواجبه نحو الله، ونحو الأقربين، بنية أن يكون شخصًا بارزًا في الناس، ينظرون إليه بإعجاب، ويقولون فيه خيرًا -فتلكم هي الأنانية المنكرة، وإن ارتدت ثوبًا مفرطًا في الرقة.
وليس المرائي، كما ينبغي أن نوضح، من يتخذ هيئة متكلفة، ويقوم بحركات ظاهرة لا تتفق مع ما في قلبه وفكره، وباختصار: من يظهر خلاف ما يبطن، ليخدع الناس، ففي هذه الحالة يتخذ الرياء اسمًا آخر أكثر إجرامًا هو "النفاق" والنية السيئة التي تحركه أكثر عمقًا، هي تلون المنافقين.
فرذيلة "النفاق" مركبة؛ أما رذيلة "الرياء" فبسيطة. فالمرائي يبسط للناس مفاخره، دون تلبيس لفكره، أو إخفاء لمشاعره الخاصة تحت ظواهر خادعة، إنه يبسطها حتى يراها الناس، ويعجبوا بها؛ فهو يشعر بالحاجة إلى
1 البخاري, كتاب اللباس, باب 7، ونص رواية البخاري: أن حسين بن علي أخبر أن عليًّا -رضي الله عنه- قال: "فدعا النبي -صلى الله عليه وسلم- بردائه، ثم انطلق يمشي ... إلخ" ومفهوم ذلك أنه كان إذا خرج يلبس رداءه. "المعرب". [2] الموطأ 1/ 133.