بيد أن هذا الرفق فيما يتعلق بتطبيق الجزاءات، في الحالات المشتبهة، يتضح مع ذلك بسهولة، من خلال الشريعة الإسلامية ذاتها.
ألم يحرم النبي -صلى الله عليه وسلم- انتهاك الحق المقدس لكل امرئ في الأمن، إلا بسبب صحيح, وكان من قوله فيما رواه ابن عباس, رضي الله عنهما: "فإن دماءكم وأموالكم، وأعراضكم عليكم حرام" [1] وإذا كانت هذه المدرسة الحنفية قد شجعها شعور إسلامي عارم، باحترام شخص الإنسان، فقد أرادت إذن أن تلتزم بالبراءة الظاهرة، تاركة مسألة الباطن إلى الضمير الفردي.
أليس كل ما يؤخذ على موقفها هذا هو أنها تمنح مزيدًا من الحرية إلى أولئك الذين لا يحسنون استعمالها؟
4- نية إرضاء الناس "الرياء":
بقي أمامنا أن نصف نوعًا آخر من الدوافع الأنانية، سيكون بالنسبة إلينا آخر ما نتحدث عنه، إنه نموذج آخر من الأنانية الجشعة، ولكن هذه الأنانية ليست معتدية، ولا جاحدة، ولا مادية، فهي أكثر نعومة وألفة.
إنها تنبع من "حب الذات"، ذلك الإحساس الطبيعي، الذي يكون في بعض الظروف مشروعًا؛ على تفاوت في قدر هذه المشروعية، ولكن عيبه هنا هو أنه لا يفرض واجبًا، ومن ثم كان في غير محله.
وإنما تتفاوت مشروعيته في ذاته؛ لأن من الضروري، لكي يعيش الإنسان في مجتمع، أن يطمئن إلى حد أدنى من محبة قلوب الآخرين، حد أدنى من الاعتبار في نظرهم، بقدر ما هو ضروري أن يتنفس لكي يعيش بدنيًّا. [1] البخاري, كتاب الحج, باب 132.