ولكي ننصف هذا الفقه، الذي هوجم بشدة -نلاحظ أولًا أن يقوم على وجهة نظر شرعية خالصة. والواقع أن ابن حزم في حدة اعتراضاته لم يمض إلى حد اتهام الحنفية بالرغبة في تسويغ تحايل متعمد على الشرع، فكل ما يأخذه عليهم هو أنهم يفوتون بعض الوقائع الإجرامية دون عقاب، حيث لا وجود -في رأيهم- لبعض شروط العقوبة، وأما كون هذا النقص قد حدث بطريقة طبيعية أو صناعية فشيء لا دليل عليه بداهة، والحنفية لا يريدون أن يفتشوا عنه, وربما كانت هذه نقطة ضعفهم.
=في رأينا نقطة الضعف في فقهه، على الرغم من فقهه، قال "المحلى 11/ 303": "وأما الحنفيون، المقلدون لأبي حنيفة في هذا، فمن عجائب الدنيا التي لا يكاد يوجد لها نظير، أن يقلدوا عمر في إسقاط الحد ههنا، بأن ثلاث حثيات من تمر مهر، وقد خالفوا هذه القضية بعينها، فلم يجيزوها في النكاح الصحيح مثل هذا وأضعافه مهرًا، بل منعوا من أقل من عشرة دراهم في ذلك. فهذا هو الاستخفاف حقًّا، والأخذ بما اشتهوا من قول الصاحب حيث اشتهوا، وتركوا ما اشتهوا من قول الصاحب إذا اشتهوا. فما أسوأ هذا دينًا، وأف لهذا عملًا، إذ يرون المهر في الحلال لا يكون إلا عشرة دراهم لا أقل، ويرون الدرهم فأقل مهرًا في الحرام، ألا إن هذا هو التطريق إلى الزنا، وإباحة الفروج المحرمة، وعون لإبليس على تسهيل الكبائر، وعلى هذا لا يشاء زان ولا زانية أن يزنيا علانية إلا فعلا، وهما في أمن من الحد، بأن يعطيها درهمًا يستأجرها به للزنا، فقد علموا الفساق حيلة في قطع الطريق، بأن يحضروا مع أنفسهم امرأة سوء زانية، وصبيًّا بغاء، ثم يقتلوا المسلمين كيف شاءوا، ولا قتل عليهم، من أجل المرأة الزانية، والصبي البغاء، فكلما استوقروا من الفسق خفت أوزارهم، وسقط الخزي والعذاب عنهم، ثم علموهم وجه الحيلة في الزنا، وذلك أن يستأجرها بتمرتين وكسرة خبز ليزني بها، ثم يزنيان في أمن وذمام من العذاب بالحد الذي افترضه الله تعالى، ثم علموهم الحيلة في وطء الأمهات والبنات، بأن يعقدوا معهن نكاحًا، ثم يطئونهن علانية، آمنين من الحدود، ثم علموهم الحيلة في السرقة، أن ينقب أحدهم نقبًا في الحائط، ويقف الواحد داخل الدار، والآخر خارج الدار, ثم يأخذ كل ما في الدار، فيضعه في النقب، ثم يأخذه الآخر من النقب، ويخرجان آمنين من القطع، ثم علموهم الحيلة في قتل النفس المحرمة، بأن يأخذ عودًا صحيحًا فيكسر به رأس من أحب، حتى يسيل دماغه ويموت، ويمضي آمنًا من القود، ومن غرم الدية من ماله، ونحن نبرأ إلى الله تعالى من هذه الأقوال الملعونة ... إلخ", ولا شك أن حديث المؤلف يوضح موقف الأحناف دون تحامل. "المعرب".