ومن خلال علاقته مع "الموضوع المنشود" "يكتسب الجهد قيمته" التي تعتبر ذريعته و"واسطته".
بل إن الجهد ليست له على الأخص قيمة أخلاقية إلا من حيث هو وسيلة لتحقيق بعض الخير الأخلاقي. فالشعار الذي يمجد الجهد في ذاته، دون نظر إلى متعلقه؛ الجهد باعتباره تعبيبرًا عن الديناميكية الحيوية، التي تصلح للضر والنفع، على حد قول الشاعر:
إذا أنت لم تنفع فضر فإنما ... يرجى الفتى كيما يضر وينفع
هو شعار تمليه الغريزة العمياء، لا الضمير الواعي المستنير. ولو كان من الممكن -يومًا- أن نقدر جهد المجرم تقديرًا أخلاقيًّا، كمنبع للخلق والإبداع، فلن يكون ذلك إلا إذا ضربنا صفحًا عن الموضوع الذي يقارفه فعلًا، ثم نظرنا إلى ما لديه من إمكان أن يباشر موضوعًا آخر، أعني أن يسخر نفسه لخدمة الفضيلة.
هناك "موقفان فلسفيان" صرحا بميلهما إلى المبالغة في تقدير هذا الجهد الأخلاقي، وهما، وإن لم يستلهما المبدأ الذي رفضناه قبل، أعني: مبدأ الجهد -بوصفه قيمة في ذاته، فقد جعلا له على الأقل معادلًا عمليًّا.
أما الموقف الأول: فيتحدث على مستوى الوجود، وهو يتمثل في القول بأن النفس الإنسانية عاجزة عن الخضوع للقانون الأخلاقي برضاها الكامل، وبدافع الحب. ولما كان الانتصار على الشر، يكلفنا دائمًا تضحية، ويفرض إكراهًا على ذات الإنسان، فإن الكفاح يصبح في كل مكان وزمان شرطًا في الفضيلة، والوسيلة الوحيدة لاكتساب السلوك الحسن.
وقد راق "كانت" أن يكرر في كتاب "دين في حدود العقل"1،
1 religion dans les limites de Ia raison.