ولا شك أن هذا هو السبب في أن أرسطو قد وضع الفضيلة في طائفة العادات. فنترك إذن الظروف تتغير، ولندع الفرصة تسنح في أشكال مختلفة، فإذا ما حصلت على نفس النصر، فحينئذ أستطيع أن أنشرح له، ولكنه ليس انشراحًا كاملًا أيضًا.
ذلك أنه، إذا كنت في كل مناسبة ينبغي أن ألجأ إلى نفس مصادر الدعم، وأن أعاني نفس المصاعب، حتى أضمن لنفسي المطابقة الأخلاقية في سلوكي، فإني أؤكد بذلك أن صفة التمرد في فطرتي تبقى كاملة، إن لم أقل: إنها بدت عاجزة عن أن تتطور. ولعل المثال الكلاسيكي عن الطفل الذي يحاول أن يغرق كرته في الماء دون جدوى -يعطينا صورة كاملة عن هذه المحاولات المتماثلة دائمًا، دون أن تحرز تقدمًا.
لسوف يبذل المسكين قصاراه ليغرق كرته، ولسوف تثب كرته وتطفو كلما تركها، إلا أن يخرقها، أو يربط فيها ثقلًا.
ولسنا نغالي مطلقًا، حين نؤكد أن كل الاهتمام الأخلاقي، كما وصفه المتصوفة المسلمون، كان موضوعه على وجه التحديد أن يوقف ضرورة هذا الانهماك في المقاومة، وأن يحقق نوعًا من التوازن الداخلي، أو يقترب منه بقدر الإمكان.
وهاك مثالًا من بين ألف أخرى تصدق هذه الحقيقة، وقد سيق إلينا في القصة التالية التي يستبطن فيها أبو محمد المرتعش ذاته:
فلقد كان من عادة هذه الصوفي أثناء حجه السنوي أن يفرض على نفسه كل أنواع المشتقات، كان يحتمل الجوع والتعب، دون أن يشعر بأي اعتراض في نفسه، حتى ظن أنه قد أصبح متحكمًا في ميوله الغريزية، إلى أن وقع حدث تافه فتح له عينيه، ولنتركه يتحدث، قال: "وذلك أن والدتي