بهذه الفكرة عن القيمة العملية نترك مجال الخصائص العامة المشتركة بين جميع القوانين، لننتقل إلى الخصائص النوعية للقانون الأخلاقي.
لقد أدرك "كانت"، بفضل تعمقه الفكري الملحوظ -الاختلاف الكبير الذي يفصل أساسًا القاعدة الأخلاقية عن جميع القواعد الأخرى العملية، ويكمن هذا الاختلاف في الفكرة الأرسطية عن "الغاية" و"الوسيلة"، ويعني الاختلاف بين ما ينبغي أن نسعى إليه "لذاته"، أو "لشيء آخر". وإنها لفكرة خصبة، تلك التي عرف "كانت" كيف يستخدمها لحسن الحظ، والتي نتناولها بدورنا، حين نستخرجها من مذهب "كانت" الشكلي.
والواقع أنه على حين أن فن الحياة بما اشتمل من قواعد الحذق والفطنة لا يتطلب نشاطنا بشكل جاد، إلا بناء على هدف محبب، فإن القانون الأخلاقي وحده هو الذي يفرض النشاط لذاته، أعني: بموجب القيمة الذاتية التي يتضمنها. فأمر الواجب هو وحده الذي يمكن أن يسمى "إلزامًا" بالمعنى الحقيقي. أما الأوامر الأخرى فهي ليست سوى نصائح مجردة، تدل على الوسائل لمن أراد أن يبلغ الغاية.
ولسوف ندع جانبًا -مؤقتًا- مسألة معرفة ما إذا كان الإنسان قادرًا دائمًا على تصور واجبه في تجرد كهذا.
لسنا نتكلم الآن من وجهة نظر الفاعل، ولسوف نناقش فيما بعد[1] النظرية التي تجعل من هذا الإخلاص المثالي في نية الإنسان، واجبًا صارمًا. لكنا نؤيد فقط "كانت" فيما ذهب إليه، من أنه لما كان كل اعتبار للنتيجة غريبًا عن فكرة الواجب، فإن القانون الأخلاقي من حيث هو لا حاجة به مطلقًا لأية قيمة خارجة عنه، يسوغ بها أمره. وإنما ينبغي، بل ويكفيه لكي يؤكد سلطته، أن يقدم لنا العمل على أنه إلزامي، وحسن في ذاته، بقطع النظر عن أية نتيجة مستحسنة، أو مستهجنة. [1] انظر فيما بعد الفصل الرابع, الفقرة الثانية, ب.