وعلى هذا النحو فإن القاضي "يريد"، ويرى عقوبة المذنب عدلًا، بصفة شاملة، وإن كان "لا يحب" أن يكون هو نفسه معاقبًا عند الاقتضاء.
وعود إلى مثال الوعد الكاذب لنتساءل: ألا يتضمن السماح للآخرين بأن يخدعوا الناس -أن يدعي الكذاب الداهية أن بوسعه أن يفسد أحابيلهم ويفلت من شراكهم، دون أن يحتاج إلى الخروج على مبدئه؟
ولكن سوف يقال لنا: ألسنا حين ألغينا الثقة في الكلمة المعطاة قد أتحنا لمبدأ الوعد الكاذب أن يدمر فكرة الوعد ذاتها، وهي التي تفترض إمكان الوثوق بالغير؟ إن من السهل أن نكشف عن الحيلة التي تسلك بها في الخفاء أفكار كثيرة في فكرة واحدة. وبرغم كل ذلك فإن فكرة الوعد ليست لأجل هذا متناقضة، لا في جوهرها، ولا في وجودها، ولا في إمكان أن تؤثر على بعض العقول، ما دام في الناس مخدوعون. وإنما يطرأ التناقض في اليقين بنهايتها، فنحن على ذلك بعيدون جدًّا عن آية ضرورة منطقية.
إن ما هو ضروري منطقيًّا يتمثل لنا حقيقة تحليلة ساكنة STATIQUE، وذلك هو اتفاق الفكرة مع ذاتها، على حين أن الضرورة الأخلاقية هي بالأحرى ذات طابع تركيبي متحرك DYNAMIQUE، فهي تصف علاقة بين مجالين مختلفين، وذلك هو سعي الفكرة نحو كينونتها كما هي الحال. وليس معنى ذلك مطلقًا أن جوهرها يكفيها في ذاتها لكي توجد في الواقع في فكرة الموجود الكامل عند "ديكارت". إذ إن المفهوم الأخلاقي لا يمكن أن يندمج في الواقع، إلا بوساطة نشاط فاعل مريد وحر، ولكنها "أي: الضرورة الأخلاقية" متصورة بوساطة هذا الفاعل كقيمة جديرة أن تتحقق، وحافظة لإرادته على أن توجدها. وفي كلمة واحدة: فإنها الإلحاح على مثال أعلى عملي يطلب حقه في الوجود الفعلي.