ولكن ما هو جدير بالملاحظة أنه في الحالة التي يسمح بدرجة دنيا من الجهد يستنهض في الحال شجاعتنا؛ لنقاوم إغراء الضعف والفتور، وهو ينصحنا أن نتحمل الآلام التي تنشأ عن هذه المقاومة، وأن نتمسك في شجاعة بالحل الأمثل: {وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [1]، {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [2].
هذا التوجيه إلى نبل الجهد هو في الواقع لازمة لا يفتأ القرآن يعود إليها في كل مناسبة: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [3], {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [4].
فهو بصفة عامة يحثنا على أن نختار من بين درجتي الخير الأخلاقي, أكرمهما، وأشرفهما، فالكرم أحرى من العدالة المدنية الدقيقة، والعفو أولى من القصاص، والله يقول: {وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [5]، ويقول: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [6]، {وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} [7].
فالقرآن لا يدعونا إذن إلى بذل أقل الجهد، وهو لا يرضى لنا أن نرتدَّ أمام المشقات الأولى "بل إن شعاره دائمًا هو: جاهدوا، اصبروا، صابروا، افعلوا الخير".
ومع ذلك, إن القرآن لا يمضي إلى حد الإفراط في هذا التوجيه، فهو يضع حدين أمام جهدنا الخادم المتحمس: أحدهما مادي، والآخر أخلاقي، [1] النساء: 25. [2] البقرة: 184. [3] الأحقاف: آخر آية. [4] الشورى: 43, وآل عمران: 186. [5] البقرة: 280. [6] البقرة: 237. [7] النحل: 126.