فالجسم الذي يتألم من مرض لا يجب عليه أن يؤدي نفس الجهد الذي يؤديه الرجل الصحيح, هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى، ليس بواجب في بعض الحالات التي يتعرض لها المرء أن يكب على بعض الشعائر على حساب شعائر أخرى، ومن الآيات ذات الدلالة في هذا قوله تعالى: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} [1]. فجهدنا يجب أن يتوزع توزعًا عادلًا على مجموع واجباتنا. ولما كان بدننا خادمًا لأنفسنا، فما كان له أن يرهق أو يستهلك في خدمة مثل أعلى محدود النطاق، لدرجة تسلمنا إلى العجز في مجالات الحياة الأخرى، ولقد علمتنا السنة من قول رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "قم ونم، وصم وأفطر، فإن لجسدك عليك حقًّا، وإن لعينك عليك حقًّا, وإن لزورك عليك حقًّا, وإن لزوجك عليك حقًّا" [2]، وفي حديث آخر يقول سلمان الفارسي لأبي الدرداء: "إن لربك عليك حقًّا، ولنفسك عليك حقًّا، وأهلك عليك حقًّا، فأعط كل ذي حق حقه" , فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكر ذلك له، فقال صلى الله عليه وسلم: "صدق سلمان" [3].
وكذلك كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مواطن كثيرة، ينصح -تبعًا للحالة- بالإعراض، أو يلوم، أو يذم الإفراط في العبادة، كقيام الليل الطويل، وكصوم الدهر. ومن ذلك أنه رأى في أحد أسفاره زحامًا من الناس حول رجل يظلونه من الشمس, فسأل النبي, صلى الله عليه وسلم: "ما هذا؟ " فقالوا: صائم. [1] المزمل: 20. [2] صحيح البخاري, كتاب الأدب, باب 84. [3] البخاري, كتاب الأدب, باب 86.