فقال: "ليس من البر الصيام في السفر" [1]. "يعني في مثل هذا السفر الشاق".
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من المدينة إلى مكة، فصام، حتى بلغ عسفان، ثم دعا بماء، فرفعه إلى يديه ليريه الناس، فأفطر حتى قدم مكة، وذلك في رمضان، فكان ابن عباس يقول: "قد صام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأفطر، فمن شاء صام، ومن شاء أفطر"[2].
ولهذا أيضًا موقف مماثل، ولكن في مجال آخر، "فقد حدث أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى شيخًا يتهادى بين ابنيه "يتوكأ عليهما" قال: "ما بال هذا؟ " قالوا: نذر أن يمشي[3]، قال: "إن الله عن تعذيب هذا نفسه لغني، وأمره أن يركب" [4].
ومع ذلك، فإن هذه السنة نفسها تروي لنا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان من عادته أن يبذل جهدًا كبيرًا مماثلًا لما نصح الآخرين بالإعراض عنه، فهو لم ينم ليلة كاملة مطلقًا، وأحيانًا كان يقوم في صلاته، في ناشئة الليل، حتى تتورم قدماه. ولقد كان يقضي الليل كله في العشر الأواخر من رمضان بخاصة، قائمًا يصلي، وكان يأمر أصحابه أن يفعلوا مثل ما يفعل، فعن أبي سعيد الخدري, رضي الله عنه: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يعتكف في العشر الأواسط من رمضان، فاعتكف عامًا، حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين، وهي الليلة التي يخرج من صبيحتها من اعتكافه، قال: "من كان اعتكف معي [1] البخاري, كتاب الصوم, باب 35. [2] البخاري, كتاب الصوم, باب 37. [3] يريد أن يحج إلى الكعبة ماشيًا. "المعرب". [4] البخاري, كتاب العمرة, باب 58.