واقع، ما دام الإنسان -أمام الوضوح الذي لا يقاوم- لا يملك إلا أن يذعن ويسلم.
ولذا نجد القرآن حين يريد أن يوجز وصاياه المتعلقة بالإيمان ينتهي بها إلى وصية واحدة هي التفكر في عزلة، أو في صحبة شخص آخر: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا} [1] أي: بعيدًا عن تأثير الجماهير.
ومع ذلك فلقد شهد التاريخ الإسلامي جدالًا نشب بين الأشاعرة والمعتزلة حول هذه المسألة: هل الله سبحانه قادر على تكليف الناس بعمل المحال، فضلًا عن أن يكلفهم ما لا يطيقون؟
والغريب أنه على حين نجد المعتزلة -الذين يطلقون أساسًا العنان لعقولهم- يدافعون هنا عن حرفية النص، إذ بالأشاعرة -الذين يرفعون غالبًا لواء التشدد في الدين "دون أن يكونوا خير ممثليه كما يجب أن نعترف"- يدافعون عن القضية العكسية، مقررين أن من الممكن عقلًا وشرعًا لله سبحانه أن يكلفنا ما ليس في وسعنا، وأن يحقق ما لا يقبل التحقق، حتى لو كان محالًا. وعلة هذا الانقلاب في الموقف يسهل كشفها إذا ما وضعنا نقطة الخلاف في مكانها من مجموع كل مذهب.
فالمعتزلة يرون أن هذا الموقف مرتبط بنظام عقلي خالص، يزعم التوصل بنور العقل وحده إلى ذات الموجود الأسمى، وإلى الشرائع الأخلاقية التي تحكم أفعاله، كما يتوصل أيضًا إلى الشرائع التي تفرض علينا.
وفضلًا عن ذلك فإن الشرائع الإلهية ما إن تعرف حتى تستنبط منها [1] سبأ: 46.