ونقول نحن: ليكن هذا، ولكن أليس الأشاعرة مضطرين -على الرغم من هذه الإرادية التي لا تتقيد بغاية، وليس لها ما يقابلها أو يوازيها- إلى أن يعترفوا بأن مجال الإرادة والوجود أكثر تقييدًا من مجال الإمكان، والقدرة المطلقة؟ لا شيء حينئذ سوف يحول دون أن يتفق ما يبدعه الله، أو ما يأمر به، مع مقتضيات العدالة والخير، ولو أنه لن يكون محدودًا بهما.
أما فيما يتعلق بهذه الحالة التي تشغلنا فلسوف يرضينا لو استطاعوا أن يؤكدوا لنا أن الله سبحانه لا يكلف الناس إلا وسع قدراتهم، وهو تكليف، إن لم يكن بالشرع، فليكن على الأقل بالواقع، وتبعًا لعرف دائم لا يقبل التغير.
لقد فهم أكثر الأشاعرة تعقلًا هذا المعنى[1]، ولكن الآخرين استهواهم المضي في المراء، فجذبهم إلى بعيد. لقد أجهدوا أنفسهم ليجدوا وسيلة بارعة لإثبات فكرة التكليف بالمحال في ذاته، لا من حيث هو حق القدرة الإلهية فحسب، ولكن باعتباره واقعًا قد حدث فعلًا. ثم نجدهم يدعون في جرأة نموذجية أن لديهم على ذلك أمثلة مادية في القرآن نفسه، وإليك لقطتهم الثمينة.
لقد ساقوا مثلًا على ذلك حال بعض الكفار الذين أعلن القرآن أنهم سيموتون في الكفر، من مثل قوله تعالى: {سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ} [2]، وقوله: {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ} [3]. ولسوف يكون ذلك مهما بذل في سبيل هدايتهم من جهد: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ} [4]. [1] المرجع السابق. [2] المسد: 3. [3] المدثر: 26. [4] البقرة: 6.