إِلَّا قَلِيلًا، نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا، أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [1]، وقد سار على هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- بعض صحابته، حيث اعتادوا أن يفعلوا ما يفعل. وها نحن أولاء نقرأ في نهاية السورة ذاتها درسًا موجهًا إلى هذه الطائفة من القائمين بالليل، يلفت أنظارهم إلى أنهم لن يستطيعوا أن يداوموا على هذه الشعيرة في ظروف معينة؛ كالمرض، والسفر، والجهاد. ثم يأمرهم أن يكون قيامهم بالليل بقدر ما تسمح أحوالهم: {فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} [2].
وقد ظهرت هذه الروح -التي ترى الإفراط في التحنث- لدى بعض الصحابة في المدينة -فلم تواجه بأقل مما سبق، باعتبارها انحرافًا مناقضًا لروح الشريعة. وينتج من مجموع النصوص القرآنية والنبوية المتعلقة بهذا الموضوع أن الإسلام يعلق أهمية كبيرة على بعض الأوامر التي لا ينبغي أن يغفل عنها امرؤ تقي، وربما كان إغفالها هو النتيجة الطبيعية لهذا الإفراط.
فقد رأينا أن الإنسان ليس عليه فقط أن يتحفظ من إطالة عبادة، ربما تعوقه في أداء الواجبات الأخرى "كالتجارة، والجهاد"، ولكن العمل العبادي نفسه لا ينبغي أن يتحول إلى نوع من الآلية، التي لا يحس المرء معها إحساسًا واضحًا بما يفعل، أو بما يقول: {حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [3].
ولقد يحدث -كما يلاحظ النبي, صلى الله عليه وسلم- أن ينشأ عن طول القيام والسهر اضطراب في نظام الدماغ، يحدث أخطاء فاحشة في الصلاة، فقد يريد المرء أن يسأل الله المغفرة، فيتفوه بألفاظ من التجديف، أو قد يلعن نفسه، وفي [1] المزمل: 2-4. [2] المزمل: 20. [3] النساء: 43.