هدأ المطر في الخارج إلا بضع قطرات هنا وهناك ظلت تداعب الأرض وتستثير هدوءها، خرج محمد برفقة والده إلى الصلاة سيرا على الأقدام، واتخذ كل منهما مظلة صغيرة تقيه البلل، ورأى محمد والده وهو يرجع البصر إلى السماء متأملا صفاء مجالها هامسا وقد استغرق في النظر إليها " سبحانك اللهم "، ثم رآه يخفض بصره إلى الأرض خاشعا متمتما " الحمد لله "، فسأل محمد والده عن سر هذه اللحظات التي تأمل وسبح وحمد الله فيها، فسعد الأب بسؤال فتاه ووجدها فرصة سانحة يقوي فيها من صلة ابنه بخالقه حين يستشعر وجوده في كل آية من آياته الدالة عليه فيدرك عظمته المتجلية في كل الظواهر الكونية التي نراها ولا نتفكر فيها، فسأل الأب ابنه على الفور:
- أتراك تعرف أي نعمة تنزل مع هذا الماء المنهمر من السماء؟
- نعم يا أبي، إني لأعرف ذلك ولأجد إجابته فيما حفظته من كتاب الله، حيث ذكر الله تعالى هذا الدور العظيم والنعمة الجليلة في سورة البقرة؛ إذ يقول سبحانه: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 22] [1] . [1] سورة البقرة، الآية: 22.