36 / بيان فساد الذِّكر بالاسم المفرد مظهَراً أو مضمَراً
كان الحديث فيما مضى في بيانِ فضل كلمة التوحيد لا إله إلا الله، وأنَّها خيرُ ما ذَكَر به الذاكرون ربَّهم، وأفضلُ ما لهجت به ألسنتهم، وهي كلمةٌ يسيرٌ لفظها، عظيمٌ معناها، وحاجةُ العباد إليها هي أعظم الحاجات، وضرورتُهم إليها هي أعظم الضرورات، بل إنَّ حاجتهم وضرورتهم إليها أعظمُ من حاجتهم وضرورتِهم إلى طعامهم وشرابهم ولباسهم وسائر شؤونهم، ولما كان بالناس ـ بل بالعالم كله ـ من الضرورة إلى لا إله إلا الله ما لا نهاية له ولا حَدَّ كانت من أكثر الأذكار وجودًا وأيسرها حصولاً وأعظمها معنى وأجلِّها مكانة، ومع هذا كلِّه إلا أنَّ بعض العوام والجُهال يعدلون عنها وينصرفون إلى دعواتٍ مبتدعةٍ وأذكارٍ مخترعةٍ ليست في الكتاب ولا في السنة، وليست مأثورةً عن أحد من سلف الأمة[1].
ومن ذلك ما يفعله بعض الطرقيَّة من أهل التصوّف في أذكارهم، حيث يذكرون الاسم المفرد مظهرًا فقط، فيقولون: (الله، الله) ، يكرِّرون لفظ الجلالة، وربما أتى بعضهم بدل ذلك بالاسم المضمر (هو) مكرّرًا، وقد يغلو بعضهم في ذلك فيجعل ذكر كلمة التوحيد لا إله إلا الله للعامة، وذِكر الاسم المفرد للخاصة، وذكر الاسم المضمر لخاصة الخاصة، وربما قال بعضُهم: لا إله إلا الله للمؤمنين، والله للعارفين، وهو للمحققين، فيفضِّلون بذلك ذكرَ الاسم المفرد مظهرًا، أو ذكره [1] انظر: فتح المجيد للشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ (ص:45) .