نام کتاب : منهج التربية الإسلامية نویسنده : قطب، محمد جلد : 1 صفحه : 87
إن التشريع منزل من عند الله. ولكن القائمين به هم البشر. وينبغي أن يكون البشر واعين لحكمة التشريع، وإلا فلن يطبقوه على تمامه، ولن يطبقوه على وضعه الصحيح.
إن الحياة لا تسير آلية بحيث تنطبق عليها القاعدة التشريعية انطباقًا آليًّا.
وإنما هناك مئات من الحالات للقاعدة الواحدة. وما لم يكن الإنسان فاهمًا للحكمة الكامنة وراء التشريع، وفاهمًا لترابط التشريعات في مجموعها، فلن يتمكن من تطبيقها في تلك الحالات المختلفة التي تعرض للبشر في حياتهم الواقعية. وقد عني القرآن كما هو ظاهر من آيات التشريع التي أوردناها بأن يوقظ العقل البشري لتدبر هذه الآيات. وفهمها، ووعيها، حتى يستطيع تطبيقها على خير وجه. وهناك كثير من آيات التشريع الأخرى في القرآن، لا يرد فيه التوجيه الصريح بالتدبر والتفكير ولكنها محمولة على هذا الأمر العام، الذي يدعو العقل للفهم والتبين، قبل التطبيق والتنفيذ.
وقد شهد الواقع الإسلامي جهدًا ضخمًا في ميدان الفقه. يعتبر تراثًا إنسانيًّا خالدًا. والكثير من هذا الفقه قد بقي حيًّا إلى هذه اللحظة، رائعًا بعمق ما فيه من استدلال. وقد كان انطلاق الفكر الإسلامي في هذا الميدان صدى للتوجيه
القرآني الحكيم، بتدبر الآيات وتعلمها، والنهي عن الخوض فيها بغير عدتها الواجبة لها من العلم والتبين
والتفكير.
ومنذ العصر الأول ظهرت -حتى في التشريعات التفصيلية الثابتة المحكمة- حالات تستدعي إعمال الفكر، وفهم الحكمة، وفهم الترابط العام بين جميع التشريعات. ومن ذلك عدم تطبيق عمر لحد السرقة على الفتيان الذين سرقوا ناقة ابن حاطب بن أبي بلتعة, لأنه اعتبر الجوع الذي يقاسونه شبهة تدرأ عنهم الحد وقال: $"والله لولا أنني أعلم أنكم تستعملونهم فتجيعونهم حتى إن أحدهم لو أكل ما حرم الله عليه لحل له، لقطعت أيديهم", وكانت حكمته في هذا التصرف مستمدة من وعيه بحكمة التشريع الإلهي في مجموعه. التشريع الذي يجعل ولي الأمر مسئولًا عن كفاية الفقراء وإتاحة الحياة الكريمة لهم، قبل مطالبتهم بالتزام الفضيلة، وقبل معاقبتهم حين ينحرفون.
ومن جانب آخر فإن التشريعات المتعلقة بأمور متغيرة في الحياة البشرية، وهي سياسة الحكم وسياسة المال قد اقتضت حكمة الله فيها أن يشمل التشريع
نام کتاب : منهج التربية الإسلامية نویسنده : قطب، محمد جلد : 1 صفحه : 87