نام کتاب : السيرة النبوية منهجية دراستها واستعراض أحداثها نویسنده : عبد الرحمن على الحجى جلد : 1 صفحه : 379
وبقدر ما كانت هذه العداوات مركّزة ومركسة كذلك- مما كان يبدو من المستحيل حتى تخفيفها، فضلا عن القضاء عليها- غدت علاقاتهم الأخوية وبناء الحب الرصين فيهم قائما وفعالا وقائدا، شاملا وكاملا ودائما، إلى حد غدا سمتا وصبغة مميزة وصيغة معتمدة مشهودة ومرئية، إلى حد بحيث يثير أعلى درجات الاندهاش والانتعاش لدى كل أحد من سامع أو قارئ.
وصدق الله تعالى- وهو أصدق القائلين- حيث يقول:
وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [آل عمران: 103] .
لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [آل عمران: 164] .
وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [الأنفال: 63] .
وهذه الانتصارات لا تنحصر في المواجهات بل في كل ميادين الحياة- كانت بنفس تلك المواجهات- فكانت الفتوحات في أوسع معناها في كل جوانب الحياة. وذلك بعد أن كان الفتح الأساسي هو فتح القلوب لهذا الدين ولكافة مضامين الإسلام ومعانيه، التي بها قامت مبانيه فامتلأت تلك القلوب والنفوس والأرواح وكل مكونات النفس الإنسانية. فتحت مقبلة على شرع الله تعالى ومنهجه وكلماته، عقيدة وعبادة وشريعة، قامت بكل ذلك، تسير في الحياة وتحييها من جديد وترفعها. وبهذا انتشر الإسلام ودخل الناس في دين الله أفواجا، بما رأوا من روعة منهجه المنير، وجديته الواقعية الراقية موضحة بسلوك أهله. ولكن الفتوحات المعهودة هي صيغة ملموسة، مثلها كانت بقية الفتوحات. ومثلما هي تحمل سرا ترى آثاره واضحة، كان الأمر كذلك بالنسبة لكل ما يتعلق بالمجتمع المسلم ذاك.
نام کتاب : السيرة النبوية منهجية دراستها واستعراض أحداثها نویسنده : عبد الرحمن على الحجى جلد : 1 صفحه : 379