هذه الاحوال الخطرة حتى التطرف. إنه لم يكن صوتا منبعثا من باطن، لا، لقد كان هو الصوت العلوي، صوت الله، رب العالمين، أقبل ليواسي ويطمئن قلبا معذبا في سبيله. ومن غير الله، العليم بكل شيء، يستطيع أن يؤكد أن الاعداء، برغم وصولهم إلى فم الغار نفسه، لن يستطيعوا أن يدركوهما؟
وسلخ الرسول في الغار ثلاثة أيام بلياليها. وكان [عبد الله] بن ابي بكر [يتسمّع لهما ما يقول الناس فيهما نهاره، ثم يأتيهما إذا أمسى بما يكون في ذلك اليوم من الخبر] . وكانت ابنة ابي بكر، أسماء، تحمل اليهما الطعام [إذا أمست] . وكان مولاه، عامر بن فهيرة، يرعى غنمه فيسوقها إلى فم الغار فيحلبها لنزيليه. حتى إذا سكن الناس عنهما غادرا الغار في اليوم الرابع. وكان دليلهما في رحلتهما الآن رجلا غير مسلم يدعى عبد الله بن أريقط. واردف ابو بكر خلفه عامر بن فهيرة. وفيما هم في بعض الطريق غدت الحرارة لاهبة، فكفّوا عن السير التماسا للراحة. وهنا أخذ أبو بكر يكنس الأرض، في ظل صخرة، ونشر رداءه للرسول ليستلقي عليه، وانطلق يبحث عن شيء من طعام. وإذ مرّ ببدويّ يرعى شياهه، نظّف ثدي واحدة منها وحلبها في وعاء نظيف، ثم غطاه بقطعة من قماش، وحمله إلى الرسول. فقد كان أصحاب الرسول يعلمون مقدار حبه النظافة. وكانت قريش قد جعلت لكل من يردّ الرسول اليهم جائزة مقدارها مئة ناقة.
وكان بين الذين انطلقوا للبحث عنه، طمعا في الجائزة، رجل اسمه سراقة بن مالك [بن جعشم] . فأنبأه رجل [من قريش] انه رأى ركبة ثلاثة متجهين إلى المدينة. وكان سراقة رجلا قويّ البنية.
ومن غير ان يشعر بذلك أحدا، ليس درعه، وامتطى صهوة فرس جدّ رشيق، وانطلق يطاردهم. وفي بعض الطريق كبا الفرس، فألقى سراقة من فوق ظهره. وحين استقسم بالأزلام ليرى ما إذا كان عليه