«بلاد العرب كلها على نحو إجماعي ... والتقليد يصوّر لنا «الكعبة قبلة للحجاج كانوا يقصدونها، منذ أقدم العصور، «من ارجاء بلاد العرب كلها: فمن اليمن، وحضرموت، «وشواطئ الخليج الفارسي، ومن بادية الشام، ومن ضواحي «الحيرة القصيّة ومن بلاد ما بين النهرين، تقاطر الناس إلى «مكة عاما بعد عام. ومثل هذا التقديس الشامل لا بدّ أن تكون «اوّليته راقية إلى حقبة عريقة في القدم إلى أبعد الحدود.»
ولكي يقيم الدليل على قدم الكعبة يستند السير وليم على بعض الوقائع التاريخية والروايات الشفهية. وفي القرآن الكريم أيضا إشارة إلى المعنى نفسه. انه يتحدث عن اول بيت «وُضِعَ لِلنَّاسِ» *، وبكلمة أخرى، عن أول بيت على سطح الارض خصّص لعبادة الله. فمن هذا المكان انبثقت أشعة الوحي الالهي، أول ما انبثقت. ويا لها من مصادفة رائعة! فهذا المكان نفسه يزهو بأنه أنجب خاتم النبيّين المباركين. ومكة مدينة بمكانتها المقدسة إلى هذا البيت. فمنذ عهد يرقى إلى 2500 سنة ق. م. كانت محطة للقوافل المتردّدة ما بين اليمن وسورية. والقرآن الكريم أيضا يثبت ان البيت الحرام كان قائما قبل ابراهيم**. وحين خلّف ولده، اسماعيل، هناك، كانت هذه كلمات الدعاء الذي ضرع به الشيخ الجليل إلى الله: «رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ، رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ
(*) «إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين.» (السورة 3، الآية 95) .
(**) «وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً، وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى، وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ.» (السورة 2، الآية 125)