وهكذا وضع الرسول خمسين من الرماة على الرابية عند فم الشّعب، وأصدر اليهم أمرا جازما بأن لا يبرحوا مواقعهم أيا ما كان السبب، وأيا ما كانت نتيجة المعركة. كان عليهم ان لا يتزحزحوا عن مكانهم بوصة واحدة سواء أكتب للمسلمين النصر أم كتبت عليهم الهزيمة.
وإلى جانب النسوة اللواتي صحبن الجيش القرشي لتحريضه على القتال رافق ذلك الجيش أيضا راهب نصراني، يدعى أبا عامر [عبد عمرو بن صيفيّ الأوسيّ] ليمثل دورا مماثلا. وكان ابو عامر هذا قد أقام، قبل ذلك في المدينة، حيث اكتسب احترام الشعب العميق، لتقواه وزهده. حتى إذا وفد الرسول على المدينة ورأى إلى الانصار يستقبلونه ذلك الاستقبال القلبيّ، لم يطق على ذلك صبرا.
لقد غلب عليه الاستياء فانتقل إلى مكة. وكان قد زعم، في كثير من الاعتزاز، ان مجرد وجوده في صفوف القرشيين خليق به أن يوقع الرعب في أفئدة المدينيين، وعندئذ يخذلون المهاجرين لا محالة. وحين التقى الجمعان، وتواجها، تقدمت النسوة الجيش المكّي، واصطنعن كل ما أوتين من براعة لاثارة حماسة الجند [فكنّ يضربن بالدفوف والطبول، وعلى رأسهن هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان، وهنّ يقلن:
ويها بني عبد الدّار ... ويها حماة الأدبار
ضربا بكلّ بتّار!
ويقلن:
إن تقبلوا نعانق ... ونفرش النمارق
أو تدبروا نفارق ... فراق غير وامق