كان تثقيف الشعب الاخلاقي والروحي هو، من غير ريب، هدف الرسول الأوحد. ولم تكن الحرب لتشكّل جزآ من برنامج حياته.
ولم يكن في الامكان تحقيق هذا الهدف العظيم إلا على أيدي تلك العصبة الصغيرة النبيلة التي كان قد أعدّها لهذا الغرض. أما وقد تعرّض للخطر حتى وجود أولئك الذين عقدوا النية على وقف أنفسهم لتطهير الانسانية روحيا، أفلا يكون من واجبه أن يتخذ جميع الاجراآت الممكنة لحمايتهم؟ كانت مصلحة المثل الأعلى الذي رفعه أمامه تدعو إلى القيام بعمل حازم. وإلى هذا، فقد كان الرسول زعيم الجماعة الصغيرة، وكان- بوصفه هذا- مسؤولا عن سرّائهم وضرّائهم. إن مركزه كزعيم لهم كان يفرض عليه السهر على مصلحة شعبه. وفي هذه الناحية أيضا كان مثلا يحتذيه اولئك الذين أسندت اليهم مقاليد الحكم والسيطرة على الآخرين. وكما أظهر ذلك النموذج الكامل للجنس البشري*، يتعين على الزعيم ان لا يقبل منصبه لمجرد التمتع بالامتيازات التي يتيحها له، بل إن عليه أيضا أن يواجه المسؤوليات الشاقة التي يفرضها. إن واجبه الأخلاقي ليقتضيه ان يفكر في الاساليب والطرائق التي تمكّنه من الدفاع عن شعبه ضد العدوان، وان يتخذ التدابير التي تكفل مصلحتهم. ولو لم يكن للرسول غير هذه المأثرة الباهرة اذن لكانت كافية لأن تبوّئه مركزا فريدا في تاريخ البشرية. لقد وجد شعبه محاطا، من أقطاره جميعا، بأعداء ألدّاء. كان وجودهم كله يتأرجح، ليل نهار، في الميزان.
ولقد وفّق، ببعد نظره وتضحيته بنفسه، إلى انقاذهم من جميع الأخطار؛ وتمكينهم من الفوز بأكليل النجاح. إن إنشاء أمة ما، يعتبر في جملة الاعمال العظيمة في التاريخ الانساني، وليس للعقبات الضخام التي ذلّلها الرسول لإنشاء أمة عظيمة نظير في حوليات بناء الامم.
(*) يقصد الرسول. (المعرب)