وكان من نتائج معركة أحد ان نكث يهود المدينة عهدهم، وانشأوا يتآمرون مع قريش لانزال الأذى بالمسلمين. ومن ناحية ثانية، فأن أذى المنافقين أمسى الآن أوضح وأصرح. لقد حرصوا على إعنات المؤمنين بكل سبيل. وكانت القبائل المجاورة قد عقدت العزم أيضا على توجيه ضربة قاضية إلى الاسلام، متوهمين انه كان على شفير الانقراض. لقد عدم المسلمون كل أمن وطمأنينة داخل المدينة وخارجها على السواء. وكانت الانباء تشعرهم كل يوم بهجوم يشنّ من هذه الناحية حينا، ومن تلك الناحية حينا. كان عهدا جدّ عصيب.
ولم يكن المسلمون بقادرين على الخروج من بيوتهم عزّلا من غير سلاح. ونحن نعلم من بعض الروايات أنهم لم يستطيعوا التخلي عن أسلحتهم حتى في سكينة الليل. وأخيرا استنفد الارهاق صبرهم، ففتحوا قلوبهم للرسول واصفين عجزهم عن الصبر أكثر مما فعلوا بعد ان بلغ السيل الزبى. فكان من دأبه أن يطيّب خاطرهم مؤكدا لهم أن فجر السلام أمسى وشيكا. ولقد شاطرهم بنفسه رهق أيام المحنة هذه وعنتها، واتخذ كل اجراء وقائيّ لاجتناب خطر الهجمات الذي لاح الآن، في كل ناحية من الافق، شديدا عارما. وذات يوم، وكان الظلام لا يزال حالكا، سمعوا جلبة وهديرا، وخافوا أن يكون عدوّ ما قد أقبل لاقتحام المدينة، أو أن تكون ثمة غارة مبيّتة. واحتشد المسلمون من كل صوب، واستعدوا للخروج ابتغاء المقاومة. وكم كان دهشهم عندما بصروا بالرسول عائدا على صهوة جواده بعد أن راد أرباض المدينة كلها. وطمأنهم قائلا إنه ليس ثمة أيّ خطر، وانه لا داعي للقلق البتة. وهكذا أظهر الرسول انه لم يكن مجرد زعيم حكيم بل كان في الوقت نفسه جنديا باسلا يزدري الخطر في جراءة.
وبكلمة مختصرة، كانت المدينة تحيا في غمرة خطر موصول. وكان على المسلمين ان يلتزموا الحذر واليقظة لحظة بعد لحظة. لقد عمدوا إلى