«إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا.
هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً.» *
ولكن من خلال مشهد الرعب والذعر الظاهريّ استطاعت افئدة المؤمنين ان تقرأ مصداق ما وعدهم ورسوله. ولقد صوّر الله ما دار في خلدهم بالآية التالية:
«وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وَتَسْلِيماً.» **
وعلى الرغم من أن الاحتمالات كلها كانت تشير، على نحو ساحق، إلى ان المسلمين سوف يبادون، وعلى الرغم من المخاوف التي عصفت بهم في تلك الحال الكالحة فقد أدركوا ان هذه المحاولة كانت المحاولة الأخيرة اليائسة يقوم بها عدوّ مختضر. إنها سوف تقصم ظهر العدو مرة وإلى الأبد، وتؤذن باستهلال عهد سعيد، عهد انتصار الاسلام.
وعلى سبيل الوقاية من هجوم محتمل من الخارج، أو خيانة يهودية من الداخل نقل النساء والأطفال إلى مواطن حصينة. واستمر الحصار نحوا من شهر، قاسى المسلمون خلاله- وفيهم الرسول نفسه- من ويلات المجاعة شيئا كثيرا. لقد سلخوا أياما عديدة من غير أن يذوقوا ايما طعام، فتعيّن عليهم ان يشدوا إلى بطونهم قطعا من الحجارة.
ولكن روحهم لم تقهر بسبب من ذلك البتة. وذات يوم، اقترح النبي رشوة قبيلة غطفان من طريق وعدها ثلث ثمار المدينة [إن هي
(*) السورة 33، الآية 10- 11.
(**) السورة 33، الآية 22.