ارتحلت] . وكان خليقا بهذا الاقتراح ان يسهم إسهاما كبيرا في خضد شوكة العدوّ. وعلى الرغم من المجاعة التي قاساها المسلمون، والضيق الذي ألمّ بهم من جراء الحصار المتطاول والسهر والحراسة الموصولين فقد رأوا ان في القبول بمثل هذا الذل جرحا لكرامتهم. وقال الأنصار، الذين عنتهم المساومة المقترحة مباشرة، إنهم لم يدفعوا ايما جزية اليهم حتى في الجاهلية، فكيف يطيقون الاذعان لهم، خاصة وأن في الأمر مساسا بشرف الاسلام نفسه؟ إنهم سوف يقاتلون حتى آخر رجل من رجالهم، وليكن ما يكون!
وكان اليهود والمنافقون يتحينون الفرصة للانقضاض من داخل، على نحو متواقت مع الهجوم من خارج. وجرت بادئ الامر مبارزات كتبت الغلبة فيها للمسلمين. كان عمرو بن ودّ، وهو بطل عربي شهير، يعتقد أنه كفؤ لألف رجل، [فتقدّم ينادي: «من يبارز؟» ولما دعاه عليّ بن أبي طالب إلى النزال قال في صلف:
«لم يا ابن أخي؟ فو الله ما أحب أن أقتلك!» فقال عليّ: «لكني أحب والله أن أقتلك!» فتنازلا فقتله عليّ] . وأخيرا شنّت قريش، بكامل قوّتها، هجوما عاما، ولكنها لم تستطع أن تقتحم الخندق.
بيد أن سهامها ونبالها انهمرت انهمار وابل رهيب، ولولا ثبات المسلمين الراشح بروح الانضباط لكسب العدو المعركة. لقد عجز الجيش العظيم، البالغ عدده اربعة وعشرين الف مقاتل، عن اختراق خط دفاعهم، فألمّ به الاعياء. كان الحصار قد أمسى مرهقا له.
وإلى هذا، كانت مؤن العدو قد نفدت. ثم هبّت ريح عاتية فاقتلعت خيامهم، وكفأت قدورهم، فدبّ الاضطراب في صفوفهم. وإلى هذه الحادثة يشير القرآن الكريم بقوله: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا