بلاد العرب برمتها إذن لكان في امكان الباحث أن يعتبرها اجراء أوحى به الطموح. ولكن ما الظروف التي كانت سائدة فعلا في تلك الآونة؟
كانت المدينة قد حوصرت قبل ذلك باثني عشر شهرا ليس غير، وكان ثمة امل ضئيل في نجاة نفس مسلمة واحدة. لقد كان المسلمون، حتى في ذلك الحين، أضعف من ان يشقوا طريقهم إلى مكة لأداء فريضة دينية هامة كالحج. وكان المشركون لا يزالون هم أصحاب السلطان، حتى لقد فرضوا شروط الصلح، منذ فترة يسيرة، على المسلمين. وفي كل ناحية من بلاد العرب كان الاسلام محاطا بالأعداء، وكان تناثر المسلمين ههنا وهناك لا يغيّر من الموقف إلا قليلا. ومع ذلك فأن ايمان الرسول بانتصار الاسلام النهائي لم يتزعزع لحظة واحدة، في وجه تلك الظروف الموئسة كلها. كان واثقا كل الثقة من ان الاسلام سوف يسود آخر الأمر، وكان في ميسوره أن يرى بعين بصيرته ذلك اليوم الذي سينير ضياؤه فيه كل زاوية من زوايا العالم.
إلى هذا الحد كان ايمانه بقوة الاسلام عميق الجذور. وان في هذا لدرسا نافعا لبعض مسلمي العصر الحاضر الضعيفي الثقة بامكان انتشار الاسلام في ديار الغرب، ذلك بأنهم يعتقدون بأنه ليس ثمة امبراطورية جبارة تسنده وتدعمه. إن الحق لا يعتمد، في بقائه وانتصاره، على القوة. إن له من القوة الذاتية ما يمكّنه من الصمود. وهذه النقطة جديرة أيضا باعتبار الناقد العادي للاسلام. أمن الممكن لدجال من الدجالين أن ينعم بمثل هذا الايمان الراسخ بنجاحه النهائي؟ إن على اولئك النزاعين إلى القول بأن هذه الرسائل الطموح مردّها إلى عقلية منحرفة أن يتأملوا قليلا في النجاح العظيم الذي حظي به الاسلام بعد سنوات معدودات انقضت على توجيهها. وإذا كانت هذه الوقائع تشير إلى أن محمدا لم يكن لا دجالا ولا معتوها فلم يبق اذن غير استنتاج واحد يفرض نفسه على الناقد النزيه- أعني انه كان رسولا من رسل