تلك التي وجّهت إلى شرحبيل بن عمرو [عامل هرقل] على بصرى الواقعة عند تخوم الشام. لقد قتل موفد الرسول، الحارث بن عمير، منتهكا بذلك أعراف الاخلاقية القبليّة كلها، وهو عمل كان بمثابة اعلان حرب على الاسلام، ولقد اعتبره المسلمون اعلانا للحرب فعلا.
وكان من الخطل ان يترك لشرحبيل متّسع من الوقت لحشد قواته والانقضاض على المسلمين. وهكذا جهّز جيش مؤلف من ثلاثة آلاف رجل للتوجه إلى العدو. واسندت قيادة هذا الجيش لزيد [بن حارثة] عتيق رسول الله، وهو مثل رائع على المساواة الاساسية بين البشر، تلك المساواة التي قرّرها الاسلام وأكّدها. لقد وضع المهاجرون القرشيون الفخورون والأنصار النبلاء كلهم تحت إمرة عبد رقيق.
ورافق الرسول الجيش حتى مكان يعرف ب «ثنيّة الوداع» . وكان شرحبيل قد حشد، في غضون ذلك، جيشا عظيما [تذهب بعض الروايات إلى ان عدده] بلغ مئة الف رجل. وكان القيصر أيضا يتأهب للحرب. والتقى الفريقان في مؤتة، التي دعيت المعركة باسمها.
فاستشهد زيد في الميدان، فخلفه في القيادة جعفر [بن ابي طالب] .
وقاتل جعفر قتال المستميت أيضا، ثم استشهد بعد أن أصيب بنحو من تسعين جرحا؛ عندئذ أخذ عبد الله بن رواحة الراية فقاتل حتى قتل.
وكان النبي هو الذي سمّى، مقدما، خلفاء زيد في القيادة، فقد كانت تلك عادته، يحدوه عليها رغبته في الاحتياط لكل طارئ. وبعد مصرع ابن رواحة اختار جند المسلمين خالد بن الوليد قائدا، فأظهر براعة عظيمة في إنقاذ جيشه الصغير، الذي كان هزيلا بالقياس إلى جموع العدوّ الضخمة. وإنما حدثت هذه المعركة في شهر جمادى الأولى من السنة الثامنة للهجرة.
إن الظروف التي أحاطت بتوجيه هذه الرسائل إلى الملوك والامراء لتستحق شيئا من التأمل والاعتبار. فلو ان الرسول وجّهها بعد اخضاع