مختلف الهضاب. فكان على المسلمين أن يقنعوا باحتلال موقع غير ملائم. لقد انهال عليهم من كل جانب وابل من نبال، في حين انقضّ عليهم الجيش الرئيسي من أمام. وكان خالد بن الوليد في مقدمة جيش المسلمين، وتحت إمرته قوات المتطوعين المكيين، وفي جملتهم جماعة من غير المسلمين. وكانت هذه القوات هي التي تلقّت الصدمة الأولى، في المعركة، ولكنها لم تستطع الصمود لضراوة الهجوم. فاذا بتراجعها يوقع البلبلة في صفوف المسلمين. لقد انقلبت على أعقابها في اضطراب كليّ. وحتى سرايا المهاجرين والأنصار شاركت في الانكفاء العام. وهكذا ترك الرسول، مع [عمه] العباس ونفر آخرين، تحت رحمة جموع العدو الزاحفة. لقد رأى إلى الجيش الاسلامي ينكص على عقبيه، ولكنه ثبت في موقعه المحفوف بالخطر في رباطة جأش عجيبة. وكان العدو يشدّ عليه شدّة ضارية، وكان هو وحيدا أو يكاد، ولكن ذلك لم يعكّر صفاء ذهنه اضأل تعكير.
ألم يكن آمنا في رعاية أقوى الاقوياء الكلية؟ إن معين السلوان الذي لا يخطئ- ذلك الايمان غير المتزعزع بالتأييد الالهي والثقة المطلقة بانتصار قضيته النهائي- قد ثبّته الآن كتثبيته إياه من قبل. فلزم الساحة منفردا، والعاصفة العدوّة تدوّم منقضة عليه، وأنشأ يصيح بأعلى صوته، على نحو مكرور:
أنا النبيّ لا كذب أنا ابن عبد المطّلب! وهتف العباس أيضا بصوته الجهوريّ: «يا معشر الأنصار [الذين آووا ونصروا] ، يا معشر المهاجرين الذين بايعوا تحت الشجرة!» فجاءه الجواب من كل صوب، وقد أخذت القوات المشتتة تحتشد حول النبي، «لبّيك! لبّيك!» . لقد ترجّل المسلمون عن خيلهم