يقف أصحابه له عند دخوله عليهم. وذات مرة نهاهم عن ذلك قائلا:
«لا تقوموا كما تقوم الاعاجم يعظّم بعضهم بعضا» وأضاف انه عبد حقير من عباد الله يأكل كما يأكل الناس، ويجلس كما يجلس الناس.
واراد رجل مرة ان يقبّل يده فقبضها عنه قائلا ان تلك عادة من عادات الأعاجم في التذلل لملوكهم. وكان إذا ما دعاه عبد إلى طعام أجاب دعوته. وكان يتناول طعامه مع مختلف طبقات الأمة، حتى مع العبيد الأرقاء. وكثيرا ما كان يلزم الهدوء، في مجالسه، فترة من الزمان طويلة، حتى إذا بدا له ما يستحق القول تحدّث، ذلك بأنه لم يكن يحبّ الكلام لمجرد الكلام. وكان لا يفضّل نفسه على غيره بشيء. فاذا ما مشى في الاسواق مشى الناس أمامه ومشوا خلفه على حد سواء. وإذا ما جلس بين الناس لم يكن ثمة ما يلفت النظر اليه، ومن ثم يعجز الغريب عن تمييزه من سائر الجماعة ويتعين عليه أن يسأل القوم أيّهم رسول الله. فقد كان مفطورا على التواضع البالغ.
وكان حريصا، إذا ما جلس القرفصاء، أن تتقدّم ركبته ركب مجالسيه. وكان لا يقطع على أحد حديثه. ليس هذا فحسب، بل كان يشارك أصحابه ضحكهم، ببساطة كلّية، إذا اقتضى المقام أن يضحك.
وكان يتحدث في اناة بالغة بحيث يستطيع المرء ان يحصي كلماته. وكان يسرع في المشي حتى ليضطرّ أصحابه في بعض الأحيان إلى الركض لكي. لا يتخلفوا عنه.
وكانت طريقة حياته تتسم بالبساطة أيضا، فاذا ما دعي إلى اي طعام أجاب الدعوة في ابتهاج. فان ألفى فيه علة امتنع عن تناوله، ولكن من غير أن يعمد إلى انتقاده. وكان يأكل الرّطب، والشعير، والقمح، واللحم، واللبن وأيما شيء يوفق إلى الحصول عليه. وكان إذا ما دعي إلى وليمة دسمة شارك فيها، ولكنه كان لا يسرف في الطعام البتة. كان يحب النظافة. وكان مولعا بالعسل. ومن بين