وهكذا سار ذلك الزعيم، أبرهة [الأشرم] على رأس جيش عظيم قاصدا مكة لكي يدكّها دكا. وعسكر على مبعدة ثلاث مراحل من مكة، وبعث إلى المكيين رسولا يبلغهم الغرض الذي من أجله جاء.
وفي غضون ذلك احتجز رجال ابرهة [مئة] بعير لعبد المطلب. فلم يكن من عبد المطلب إلا أن وفد بنفسه على الزعيم ليسأله ردّ إبله.
وتأثر ابرهة تأثرا عظيما بمظهرة المهيب، فسأله ما الذي دعاه إلى الوفود عليه، معتقدا من غير ريب أنه أقبل ليلتمس منه الإبقاء على البيت المقدّس. فأجابه عبد المطلب انه إنما أقبل ليسأله ردّ إبله. فعجب أبرهة لهذا الجواب غير المتوقّع وأبدى استغرابه لقلق عبد المطلب البالغ على إبله وعدم قلقه على الكعبة [قائلا لترجمانه: «قل له لقد كنت اعجبتني حين رأيتك ثم زهدت فيك حين كلّمتني] أتكلّمني في مئة بعير أصبتها لك وتترك بيتا [هو دينك ودين آبائك] قد جئت لأهدمه لا تكلمني فيه؟» ، فقال له عبد المطلب: «اني أنا ربّ الابل، وإن للبيت الحرام ربا سيمنعه.» وإذ وجد القرشيون انفسهم أضعف من أن يقاوموا ابرهة أخلوا مكة ونصبوا خيامهم في الكثبان المجاورة.
وفيما هم يغادرون مكة أخذ عبد المطلب بستار من أستار الكعبة، وراح يستنصر الله قائلا: «اللهم هذا بيتك. اننا نشعر اننا أضعف من أن نحميه، فتولّ أنت حمايته بنفسك.» ويقول المؤرخون ان الجدري تفشّى، في غضون ذلك، بجيش ابرهة تفشيا ليس أقوى منه ولا أعنف، محدثا في صفوفه ذعرا رهيبا، مهلكا القسم الاعظم من رجاله. أما سائره فلاذ بالفرار في اختلاط كامل وفوضى مطلقة. واليك وصف القرآن الكريم لهلاك جيش ابرهة:
«أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ. أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ. وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ تَرْمِيهِمْ