في زيارة قبر زوجها، فخرجت إلى المدينة حيث دفن، مصطحبة الطفل معها. ولكن اليتيم حرم، في بعض الطريق، من أمه أيضا، إذ توفيت في مكان يدعى الأبواء* فدفنت هناك. وهكذا وجد النبي نفسه، وهو بعد طفل طري العود في السادسة، محروما من أبيه وأمه. إن قدره لم يشأ له أن ينشأ في رعاية أبيه العطوف، وحرمه حتى حنان أمه الرؤوم، ولم يتح له فرصة إظهار حبه البنويّ لأبويه.
ومع ذلك فقد خصّ أمه بالرضاع، وأخواته [واخوته] بالرضاع، حين استوى شابا، بالمعاملة الحنون نفسها، فكأنهم كانوا من ذوي قرباه حقا. ولقد زارته حليمة، ذات يوم، بعد أن تلقّى النداء الالهي. فلم تكد تدخل على الرسول حتى نهض للترحيب بها- وهي أمارة على الاحترام العميق- ومدّ لها رداءه لكي تجلس عليه. ولقد أظهر احتراما خاصا، أيضا، لاخواته وأخوته بالرضاع، بل لبني سعد جميعا، لأن حليمة منهم.
وعند وفاة أمه، كفله جدّه عبد المطّلب. ولكن ما ان انقضت سنتان حتى حرمته يدا الموت هذه الرعاية أيضا. وهكذا كفله، وهو في الثامنة من العمر، عمه ابو طالب. والواقع ان الرسول تمتّع، منذ طفولته نفسها، بفضائل أكسبته محبة ابي طالب العميقة. كان كل من يجتمع اليه، حتى في تلك السنّ المبكرة، يعجب بخصاله وعاداته.
وكان ابو طالب يبقيه إلى جانبه دائما، ويصحبه حيثما ذهب، بل كان يضجعه ليلا في فراشه هو. حتى إذا بلغ الرسول الثانية عشرة اعتزم ابو طالب ان يخرج في تجارة له إلى الشام. وكان محمد شديد التعلق بعمه، فلم يطق مجرد التفكير بمثل هذا الفراق الطويل. وهكذا أجاز له ابو طالب أن يرافقه في تلك الرحلة الطويلة. وإنما تروي [كتب
(*) قرية بين المدينة والجحفة، بينها وبين المدينة ثلاثة وعشرون ميلا- راجع «حياة محمد» للدكتور محمد حسين هيكل، ص 111. (المعرب)