السيرة] انه التقى في هذه الرحلة راهبا مسيحيا يدعى بحيرى. فلم يكد هذا الراهب يرى إلى الغلام، كما تقول القصة، حتى استطاع أن يتبيّن في وجهه مخايل عظمته المقبلة، وهكذا أوصى أبا طالب بأن يبالغ في رعايته، لأنه سوف يتلقّى، ذات يوم، النداء الالهي.
وفي العشرين من عمره، شارك الرسول في المعركة التي دارت بين قريش- وهي حرب الفجار، وقد دعيت بهذا الاسم لأنها نشبت خلال الاشهر الحرم التي يحظّر فيها القتال. بيد أنه لم يلطّخ يديه بدم أيما امرئ من اخوانه في الانسانية، فلم يزهق بيده هو روحا واحدة البتة. وبعد ذلك شارك في الحلف المعروف ب «حلف الفضول» ، الذي عقد لتوكيد حقوق الضعفاء والمظلومين وحمايتهم من الطغيان. فقد أخذ كل عضو من أعضاء الحلف على نفسه عهدا ليكوننّ مع المظلوم وليردّنّ عنه ضروب الاضطهاد على اختلافها.
وإنما يرجع فضل المبادرة في وضع هذه المنظمة الانسانية إلى الرسول وإلى اسرته بني هاشم. وهكذا فأن نزوعه المبكّر إلى اسداء العون إلى المكروبين ليظهر أن الحنان الانساني كان مغروسا في فطرته نفسها.
وفي هذه السنّ الغضة كانت استقامة الرسول قد اكتسبت شهرة بعيدة في مكة. كان يعرف عند الناس كلهم ب «الأمين» . وهذا اللقب لا يفيد معنى الأمانة في شؤون المال فحسب، بل إنّه كلّي الشمول يدل على الاستقامة في أشكالها جميعا. كان كل من اتفق له أن عامله في هذه الفترة لا يفتأ يثني عليه طوال حياته. وحوالى هذه الفترة أيضا نشأت الحاجة إلى اعادة بناء البيت الحرام، الكعبة. حتى إذا أعدّت جميع المواد الضرورية لذلك، نهضت قريش مجتمعة بعبء هذه المهمّة.
وفي أثناء البناء نشب نزاع خطير بين بيوتات قريش: أيهم يكون له فخار وضع الحجر الأسود في مكانه. ولقد كان جائزا أن يفضي ذلك