صدره ضما وثيقا، وسأل كرة أخرى أن يقرأ. لقد كرر الملك سؤاله هذا ثلاث مرات، وفي كل مرة كان الرسول يقول إنه لا يحسن ذلك. عندئذ تلا الملك عليه الآيات التي توّجنا بها هذا الفصل، والتي حملت معنى ذا شقين. لقد أكّد للرسول انه برغم عجزه عن القراءة فأن محاولته ذلك خليق بها- إذا ما تمّت باسم الله- أن تقترن بالنجاح. وقد انطوى هذا على درس عام يتلخص في ان أيما شيء يظنّه أعسر من ان يقوم به بنفسه لا بدّ أن يمسي هينا يسيرا بعون من الله. هذا أولا. واشتملت الآيات، ثانيا، على إلماع إلى الثقافة العريضة التي قدّر لها أن ترى النور بفضل النبي. وكان هذا هو اليوم الذي ألقيت فيه على منكبيه، أول ما القيت، تبعات النبوة الثقيلة. وهكذا انكشف له، آخر الأمر، السبيل القويم الذي طالما بحث هو عنه في كثير من الحيرة والارتباك. وأومض له النور الذي طالما سعى اليه في توق عظيم. بيد أنه أعلم في الوقت نفسه أن مهمة الاصلاح الانساني الضخمة سوف تقع على عاتقه. ولقد كان خليقا به، وهو الذي يشارك كلّ الناس ضعف الانسان الفطريّ، أن يستشعر ثقل المسؤولية حتى ولو كانت عادية. إن اصلاح الجنس البشري مهمة تثير في نفس المرء أعظم القلق وأبهظه. فقد كلّف موسى اصلاح أمة مفردة، ومع ذلك فقد وجد نفسه أعجز من أن يقوم بذلك من غير مساعدة، وهكذا صرخ طالبا العون الالهي: «وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي. هارُونَ أَخِي. اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي. وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي.» * أما الرسول الكريم، محمد، فقد كلّف بأحياء الجنس البشريّ كله، الغارق في الدّرك الاسفل من الانحطاط. ومع ذلك فأن قلبه الجريء لم يتكشّف لحظة واحدة عن أضأل قدر من الجزع، برغم ثقل المسؤولية القاصم للظهر أو يكاد. لقد نهض بالعبء كله،
(*) السورة 20، الآيات 29- 31.