منفردا، غير معتمد إلا على عون الله وحده. إنه لم يسأله أيّ مساعد.
ولكن الوحي الالهي ظاهرة استثنائية، وهو موصد في وجه الخبرة الانسانية العادية. إنه يقتضي انفصال المرء، بالكلّية، عن بيئته.
وفي أثناء هذه الخبرة يكون الهيكل الجسماني كله المتلقّي الوحي خاضعا للسلطان الالهي. وحتى عندما ألف الرسول هذه الخبرة كان جسده يتفصّد عرقا، وكان يمسي بالغ الثقل. ويروي أحد أصحابه أن فخذ الرسول اتفق ان كانت- في إحدى هذه المناسبات- على ركبته، فاذا بها تمسي ثقيلة جدا حتى لقد خشي على ركبته ان تسحق سحقا.
والحق ان أول خبرة من خبرات الوحي كانت أشدّ ثقلا على جسده من سائرها، فأوقعت فيه الرعدة. وهكذا مضى إلى بيته وهو يرتجف؛ لقد دبّ البرد إلى يديه وقدميه، فسأل خديجة أن تزمّله. وبعد فترة قصيرة، حين زايلته الرعدة وزايله ما لا بد ان يصاحب الرعدة من شعور بالخوف، قصّ على خديجة الحكاية كلها. حتى إذا سمعت بالخبرة الجديدة التي تمّت له، شجعته وثبّتته بكلمات موحية قائلة له ان الله لن يتخلى عنه، وانه لا بدّ سيوفّق إلى اداء رسالته. ثم راحت تعدّد بعض فضائله العديدة، وصلته للرحم، وإغاثته الفقير، والمسكين، واليتيم، والأرملة، واكرامه للضعيف، ودفاعه عن الحق في أشد الظروف قسوة، واكدت له ان من يتمتع بهذه الفضائل كلها لا يمكن أن يخفق أبدا. *
وكان ورقة بن نوفل، الذي سبقت منا الاشارة اليه، ابن عم خديجة. كان قد سئم الوثنية، وانشأ يبحث عن دين صحيح، حتى
(*) أثبتنا كلام المؤلف في المتن بحرفه، وها نحن اولاء ننقل هنا كلام خديجة كما ورد في كتب السيرة، قالت: «ابشر يا ابن عم واثبت، فو الذي نفس خديجة بيده إني لأرجو ان تكون نبي هذه الأمة، وو الله لا يخزيك الله ابدا. إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل- بفتح الكاف- وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق. (المعرب)