اعتنق آخر الامر الديانة النصرانية. وكانت خديجة تدرك إدراكا حسنا ما يعتلج في صدر نسيبها من ألم مبرّح لعدم اهتدائه إلى دين يوقع اليقين في قلبه التائق إلى الحق. ولعلها ان تكون قد سمعته يتحدث عن ظهور النبي الموعود، «المعزّي» الذي كان يسوع قد تنبأ بمجيئة. فما إن وجدت محمدا يدعى إلى اداء هذه الرسالة حتى مضت معه إلى ابن عمها، شعورا منها- من غير ريب- مع هذا الأخير الذي كان قد فقد بصره وأمسى عاجزا عن الحركة بعد أن بلغ سنا عالية. ولم يكد ورقة يسمع ما نزّل على محمد من وحي وكيف نزّل حتى هتف:
« [قدّوس، قدّوس! والذي نفس ورقة بيده لئن كنت صدقتني يا خديجة] لقد جاءه الناموس الذي كان يأتي موسى،» مشيرا بذلك كما هو واضح إلى النبوءة التي أطلقها موسى. ثم أضاف:
« [ولتكذّبنّ، ولتؤذينّ، ولتخرجنّ، ولتقاتلنّ] ولئن أنا أدركت ذلك اليوم لأنصرنّ الله نصرا يعلمه.» فسأله النبي، في دهش، أتكون هذه هي المعاملة التي سيلقاها من أهله وعشيرته.
فأجابه ورقة قائلا: «نعم، هذه هي المعاملة التي يلقاها كل نبيّ.»
وما هي إلا فترة يسيرة، حتى توفي ورقة. وبسبب من هذا التوكيد الذي صدر عنه لصدق رسالة محمد اعتبره المسلمون واحدا من صحابة الرسول.
وبعد هذا الوحي الاول الذي نزّل عليه في غار حراء انقطع جبريل عن زيارة محمد فترة من الزمان. وهذه هي المدة المعروفة ب «فترة انقطاع الوحي» . والعلماء مختلفون اختلافا كبيرا في مدى استمرار هذه الفترة، فذهب بعضهم إلى أنها دامت سنتين أو ثلاث سنوات، ولكن ما رواه ابن عباس من أنها لم تدم غير برهة قصيرة اجدر بالاعتماد، وهو معزّز بالبيّنة التاريخية. أما القصة القائلة بأن النبي كان يصعد خلال هذه الفترة إلى رؤوس الحبال ليلقي بنفسه من