المكيين واضطهاداتهم، ولكن المهتدين من العبيد المساكين كانوا في وضع يائس بائس. لقد أنزلت بهم في غير ما رحمة ضروب التعذيب على اختلافها من غير أن يجدوا من يحميهم من غضب ساداتهم. والواقع ان من مآثر أبي بكر التي يقوم عليها سموّ خلقه انه أنفق ثروته، بسخاء، في شراء هؤلاء العبيد المضطهدين من سادتهم الغلاظ القلوب، وإعتاقهم. وكان بلال، وعامر، ولبينى، وزنّيرة، ونهديّة، وامّ العبيس بعض اولئك الذين كانوا مدينين بحريتهم لجود ابي بكر وكرمه.
ومن السّمات الرائعة جدا لانتشار الاسلام في أيامه الأولى أنه كان مقصورا في الأعم الاغلب على الفقراء. أما الارستوقراطية فقد اعارت الرسالة المحمدية أذنا تكاد ان تكون صماء. وفي القرآن الكريم حادثة تلقي ضوآ كافيا على الغرض الالهي من بقاء الطبقات العليا محرومة في طفولة الاسلام من نعمه وبركاته. * فقد كان الرسول منشغلا ذات يوم في دعوة نفر من نبلاء قريش إلى الدخول في الدين عندما جاءه رجل أعمى يدعى ابن امّ مكتوم. وإذ لم يكن يعلم ان الرسول في شغل شاغل فقد طرح بضعة أسئلة متوقعا من وراء ذلك ان يلفت نظر النبي اليه. ولم يرتح النبي، وهو المنهمك في ذلك الحديث الهام، لهذه المقاطعة. إنه لم يعنّف الاعمى ولم ينطق بأية كلمة من كلمات الاستياء، ولكن شيئا من العبوس ليس غير تبدّى على جبينه.
بيد ان الله الذي أراد له ان يبلغ الذروة العليا في الخلق والأدب لم يدع هذه الحادثة تمرّ من غير تعليق. ومن ثمّ نزل عليه الوحي الالهي محذّرا: «عَبَسَ وَتَوَلَّى. أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى.» ** ثم تمضي الآيات الكريمة فتقول انه كان من الجائز جدا ان ينشرح صدر ذلك
(*) السورة 80.
(**) السورة 80، الآية 1- 2.