وكان من دأبهم ان يقولوا إنه مخالط في عقله. ولكن ما إن اتّبعه.
تدريجيا، رجال أولو علم ووجاهة حتى استشعر المكيون الخطر المحدق بهم. إنهم ما عادوا يقنعون بالهزء اللامبالي، بل عمدوا إلى العنف وذات يوم، كان الرسول في الكعبة ساجدا يصلي، فطرح ابو جهل على عنقه أحشاء ناقة. وإذ كان من مألوف عادته ان يغادر بيته لاقامة الصلاة مع الفجر، فقد اصطنعوا لمناكدته طريقة جديدة: كانوا يلقون في طريقه أغصان نباتات شائكة لكي يتعثر بها في الظلام. لقد أخذوا يقذفونه بالاقذار حينا، ويرشقونه بالحجارة حينا. وذات يوم انقضّ عليه جمع من اشراف قريش. فطرح احدهم، عقبة بن ابي معيط، رداءه حول عنقه وفتله حتى كاد أن يخنقه به. واتفق أن مرّ أبو بكر، آنذاك، بالمكان، فتدخل وانقذ الرسول، قائلا: «أتريدون أن تقتلوا رجلا لا لشيء إلا لأنه يقول ربي الله؟» ولكن المؤمنين غير المنتسبين إلى بيت من بيوتات قريش النبيلة، وبخاصة العبيد منهم رجالا كانوا أم نساء، هم الذين قدّر عليهم أن يحملوا العبء الأكبر من اضطهاد المكيين. فقد أخضع هؤلاء لأفظع أشكال التعذيب. وبلال الحبشي، أخضعه سيده- لكي يحمله على الارتداد عن الاسلام- لأقسى أنواع الألم الجسدي وأبعده عن الرحمة. ولكن التعاليم الاسلامية كانت تتمتع بسحر يجعل معتنقيها أقوى من أن يتأثروا بهذه المحن كلها.
كانوا يؤثرون الموت نفسه على التنكّر للاسلام الذي رسخ في أعماق قلوبهم. وكان اضطهاد بلال يجري على الوجه التالي: كان مولاه يكرهه على الاستلقاء على الرمل المتقد تحت شمس الصحراء المحرقة في الظهيرة. وكانت ألواح من الحجارة ثقيلة توضع على صدره، وعلى الرغم من هذا التعذيب المبرّح إلى أبعد الحدود كان لا يفتأ يردّد مغشيّا عليه: «أحد، أحد» ، أي ليس ثمة غير إله واحد. وعذّب والد عمّار، ياسر، وأمه سميّة، تعذيبا موغلا في البربرية. والواقع