ان قصة تعذيبهما تقشعر لهولها الابدان- لقد شدّت رجلا ياسر إلى بعيرين، ثم عمد مضطهدوه إلى سوق البهيمتين في اتجاهين معاكسين، وهكذا مزّق جسده تمزيقا وحشيا. وقتلت سميّة بطريقة لا تقلّ عن هذه وحشية ولكنّها أدعى إلى الخزي. وكانت لبينى جارية عمر [بن الخطاب] ، فكان قبل إسلامه يوسعها ضربا حتى يكلّ.
وكان من دأبه بعد ذلك أن يقول: «سوف اتركك الآن. لا إشفاقا عليك، ولكن لأني تعبت من ضربك.»
وحتى المؤمنون من ذوي المحتد النبيل لم ينجوا من التعذيب. كان أهلهم وعشيرتهم هم الذين ينزلون بهم ضروب الأذى. فعثمان [بن عفان] كان ينتسب إلى بيت كريم ويحتل منزلة اجتماعية رفيعة. ومع ذلك، فقد أوثقه عمه بحبل وضربه ضربا مبرّحا. أما معاملة عمر لأخته وصهره فقد سبقت منا الاشارة اليها. والزبير لفّ في حصيرة وأكره على استنشاق الدخان. وابو بكر نفسه لم ينج من الاذى. لقد اخضع المسلمون جميعا، من غير تمييز، لكل ضرب من ضروب القسوة يستطيع المرء أن يتخيله، ولكن أيما محنة مهما تكن لم تقو على تجريد قلوبهم من حب الاسلام. وذهل المكيون أنفسهم لهذا الولاء العنيد الذي تكشّفوا عنه. ولكن ثباتهم هذا ارّث غيظ معذبيهم فلجأوا إلى اضطهادهم على نحو أقسى من ذي قبل وأعنف.