يا معشر الأنصار ثم قصرت الدعوة على بني الحارث بن الخزرج فقالوا: يا بني الحارث بن الخزرج! يا بني الحارث بن الخزرج! فنظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على بغلته كالمتطاول عليها، إلى قتالهم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هذا حين حمي الوطيس" [1]، الحديث[2].
وعند ابن إسحاق والطبري: قال العباس: إني لمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آخذ بحكمة بغلته البيضاء قد شجرتها بها، قال: وكنت امرأ جسيما شديد الصوت قال: ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول حين رأى ما رأى من الناس: أين أيها الناس؟ فلم أر الناس يلوون على شيء، فقال: يا عباس اصرخ يا معشر الأنصار، يا معشر أهل السمرة فأجابوا: لبيك لبيك! قال: فيذهب الرجل ليثني بعيره، فلا يقدر على ذلك، فيأخذ درعه فيقذفها في عنقه ويأخذ سيفه وترسه[3]، ويقتحم عن بعيره ويخلي سبيله حتى إذا اجتمع إليه منهم مائة استقبلوا الناس فاقتتلوا، وكانت الدعوى أول ما كانت: يا للأنصار، ثم خلصت أخيرا: يا للخزرج، وكانوا صبرا عند الحرب، فأشرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بركائبه، فنظر إلى مجتلد القوم وهم يجتلدون فقال: "الآن حمي الوطيس".
وعند ابن سعد والطبري عن العباس قال: لما كان يوم حنين التقى المسلمون والمشركون فولى المسلمون يومئذ فلقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما معه أحد إلا أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب آخذ بفرز النبي - صلى الله عليه وسلم -، والنبي - صلى الله عليه وسلم - ما يألو ما أسرع نحو المشركين قال: فأتيته حتى أخذت بلجامه وهو على بغلة له شهباء فقال: يا عباس [1] الوطيس: بفتح الواو وكسر الطاء المهملة وبالسين المهملة. قال النووي: قال الأكثرون: هو شبه التنور يسجر فيه، ويضرب مثلا لشدة الحرب التي يشبه حرها حره، قال آخرون: الوطيس هو التنور نفسه.
وقال الأصمعي: "هي حجارة مدورة إذا حميت لم يقدر أحد يطأ عليها فيقال: الآن حمي الوطيس، وقيل هو الضرب في الحرب، وقيل: هي الحرب الذي يطيس الناس أي يدقهم، قالوا: هذه اللفظة من فصيح الكلام وبديعه الذي لم يسمع من أحد قبل النبي - صلى الله عليه وسلم -". (شرح صحيح مسلم 4/403. والروض الأنف للسهيلي 7/199- 200) . [2] مسلم: الصحيح 3/1398- 1400 كتاب الجهاد والسير، وتمام الحديث: قال: ثم أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حصيات فرمى بهن وجوه الكفار ثم قال: "انهزموا ورب محمد"، قال: "فذهبت أنظر، فإذا القتال على هيأته فيما أرى، قال: فوالله! ماهو إلا أن رماهم بحصيات، فما زلت أرى أحدهم كليلا وأمرهم مدبرا". (سيرة ابن هشام2/444-445.والطبري: تاريخ الرسل والملوك 3/75. وعبد الرزاق: المصنف5/3801-381.وابن سعد: الطبقات الكبرى4/18.وأحمد: المسند 1/207. وأبو يعلى: المسند6/604ب رقم 306. وأبو عوانة: المسند4/198 و201 و203. وعلي المتقي الهندي: منتخب كنز العمال4/169، وكنز العمال10/355- 356) . [3] الترس: بضم أوله يصنع من جلود يضعه المقاتل في يده يتقي به النبال وغيرها.