بقي وحده، "فنادى[1] يومئذ نداءين لم يخلط بينهما، التفت عن يمينه فقال: يا معشر الأنصار، قالوا: لبيك يا رسول الله أبشر نحن معك، ثم التفت عن يساره فقال: يا معشر الأنصار، قالوا: لبيك يا رسول الله أبشر نحن معك، وهو على بغلة بيضاء، فنزل فقال: أنا عبد الله ورسوله، فانهزم المشركون" الحديث[2].
?- المعجزة النبوية التي حصلت في هذه المعركة وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نظر إلى اجتلاد المسلمين واشتباكهم مع المشركين فقال "هذا حين حمي الوطيس" ثم أخذ حصيات فرمى بهن وجوه الكفار فامتلأت أعينهم ترابا من تلك الرمية فهزمهم الله عز وجل.
توضح ذلك الأحاديث الآتية:
فعند مسلم وغيره من حديث العباس بن عبد المطلب - رضي الله عنه -، قال: "شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين، فلزمت أنا وسفيان بن الحارث بن عبد المطلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم نفارقه ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بغلة له بيضاء، أهداها له فروة بن نفاثة الجذامي، فلما التقى المسلمون والكفار، ولى المسلمون مدبرين فطفق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يركض بغلته قبل الكفار" الحديث وفيه:
فنظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على بغلته كالنتطاول عليها إلى قتالهم، فقال: "هذا حين حمي الوطيس" قال: ثم أخذ[3] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حصيات فرمى بهن وجوه الكفار ثم قال: "انهزموا[4] ورب محمد" قال: "فذهبت أنظر، فإذا القتال على هيئته فيما أرى، [1] قال الحلبي: يجوز أن يكون هذا النداء بعد نداء العباس وقربهم منه - صلى الله عليه وسلم -. (للسيرة الحلبية 3/66) .
قلت: وتقدم في حديث (70) أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر زيدا أن ينادي في الناس وفيه أيضا أن زيدا كان آخذا بعنان بغلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والمشهور من الأحاديث الكثيرة الصحيحة أن المأمور بالنداء هو العباس بن عبد المطلب، ولا يبعد أن الرسول-صلى الله عليه وسلم - أمر كل واحد منهما بالنداء لأن كل واحد منهما كان قريبا منه آخذا بناحية من نواحي البغلة. [2] تقدم برقم (40) . [3] وعند ابن سعد: "ثم أخذ بيده من الحصى فرماهم بها".
وعند الطبري: "ثم أخذ بيده من الحصيات فرماهم بها".
والحصى والحصيات صغار الحجارة الواحدة حصاة. (ابن الأثير: النهاية 1/393، والفيروز آبادي: القاموس 4/318) . [4] انهزموا: بلفظ الخبر، قال النووي: هذا فيه معجزتان ظاهرتان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إحداهما فعلية، والأخرى خبرية، فإنه - صلى الله عليه وسلم - أخبر بهزيمتهم، ورماهم بالحصيات، فولوا مدبرين، وذكر مسلم في الرواية الأخرى (يعني حديث سلمة بن الأكوع) أنه - صلى الله عليه وسلم - قبض قبضة من تراب الأرض، ثم استقبل لها وجوههم فقال: "شاهت الوجوه" فما خلق الله منهم إنسانا إلا ملأ عينيه ترابا من تلك القبضة، وهذا أيضا فيه معجزتان خبرية وفعلية ثم قال: ويحتمل أنه أخذ قبضة من حصى وقبضة من تراب، فرمى بذا مرة، وبذا مرة، ويحتمل أنه اخذ قبضة واحدة مخلوطة من حصى وتراب. (شرح صحيح مسلم 4/403، وابن حجر: فتح الباري 8/32. وانظر ص205 تعليقة (1) .