قال صاحب عون المعبود: "وإنما غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنهم عاضوا حكم الشرع فيهم بالظن والتخمين، وشهدوا لأوليائهم المشركين بما ادعوه أنهم خرجوا هرباً من الرق، لا رغبة في الإسلام وكان حكم الشرع فيهم، أنهم صاروا بخروجهم من ديار الحرب مستعصمين بعروة الإسلام لا يجوز ردهم إليهم، فكان معاونتهم لأوليائهم تعاوناً على العدوان[1].
155- وأخرج مسلم والنسائي وابن ماجة والبيهقي من حديث أبي الزبير[2] عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: جاء عبد فبايع النبي صلى الله عليه وسلم على الهجرة، ولم يشعر أنه عبد، فجاء سيده يريده، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "بعنيه" فاشتراه بعبدين أسودين[3]، ثم لم يبايع أحدا بعد، حتى يسأله: "أعبد هو؟ " [4]. واللفظ لمسلم.
قال الشافعي - رحمه الله -: "ولو كان الإسلام يعتقه لم يشتر منه حرا، ولكنه أسلم غير خارج من بلاد منصوب عليها الحرب"[5].
وخلاصة ما تضمنه الرويات السابقة أمور:
الأول: أن من التدابير العسكرية الناجحة التي استخدمها المسلمون بتوجيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم:
الأمر بقطع أعناب ثقيف ونخيلهم وتحريقها إغاظة لهم وهزا لمعنوياتهم وكان في ذلك نكاية بالغة بهم، حتى طالبوا الرسول صلى الله عليه وسلم أن يدعها لله وللرحم، فلما بلغته مناشدتهم له بذلك، تركها، ولكن بعد أن أثر بدون شك في نفوس القوم وأضعف عزائمهم. [1] عون المعبود 7/368-369. [2] هو محمد بن مسلم بن تدرس أبو الزبير المكي. [3] والحديث فيه جواز بيع الحيوان بالحيوان متفاضلا إذا كان يدا بيد، وهذا مما لا خلاف فيه، والخلاف في بيعه متفاضلا إذا كان نسيئة (تهذيب السنن لابن قيم الجوزية9/208-212 مع عون المعبود، وعون المعبود9/208 وتحفة الاحوذي 4/438. [4] مسلم: الصحيح3/1225 كتاب المساقاة، باب جواز بيع الحيوان من جنسه متفاضلا. والنسائي: السنن 7/135 كتاب البيعة، باب بيعة المماليك و7/257 كتاب البيوع باب بيع الحيوان بالحيوان يدا بيد متفاضلا. وابن ماجه: السنن 2/958 كتاب الجهاد، باب البيعة. البيهقي: السنن الكبرى 9/230. [5] المصدر السابق 9/230.