الحديبية خرج إلينا ناس من المشركين فيهم سهيل[1] بن عمرو وأناس من رؤساء المشركين، فقالوا: يا رسول الله: خرج إليك ناس من أبنائنا وإخواننا وأرقائنا وليس لهم فقه في الدين، وإنما خرجوا فرارا من أموالنا وضياعنا[2] فارددهم إلينا فإن لم يكن لهم فقه في الدين سنفقههم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا معشر قريش لتنتهن أو ليبعثن الله عليكم رقابكم بالسيف على الدين، وقد امتحن الله قلوبهم[3] على الإيمان، قالوا: من هو يا رسول الله؟
فقال له أبو بكر: "من هو يا رسول الله، وقال عمر: من هو يا رسول الله؟ قال: "هو خاصف النعل، وكان أعطى عليا نعله يخصفها، قال: ثم التفت[4] إلينا علي فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار".
ثم قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث ربعي عن علي[5].
والحديث أخرجه البيهقي من طريق عبد الله بن يحيى الحراني ثنا محمد بن سلمة الحراني عن محمد بن إسحاق عن أبان بن صالح به. مثل لفظ أبي داود[6]. [1] سهيل بن عمرو بن عبد شمس القرشي، أحد أشراف قريش وعقلائهم وخطبائهم وساداتهم وهو الذي أرسلته قريش يوم صلح الحديبية للتفاوض مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أسلم سهيل يوم الفتح، وروى عنه انه قال: والله لا أدع موقفا وقفته مع المشركين إلا وقفت مع المسلمين مثله، ولا نفقة أنفقتها مع المشركين إلا أنفقت على المسلمين مثلها لعل أمري أن يتلو بعضه بعضا، وموقفه من أهل مكة يوم الردة مشهور. توفي سهيل رضي الله عنه بالشام في طاعون عمواس سنة (18) ، وقيل استشهد باليرموك وقيل بمرج الصغر. (أسد الغابة: لابن الأثير 2/480 والإصابة لابن حجر 2/93-94) ومعجم البلدان 5/101. [2] الضياع: جمع ضيعة وهو ما يكون منه معاش الرجل كالصنعة والتجارة والزراعة وغير ذلك (النهاية لابن الأثير 3/108) . [3] قال المباركفوري: "قد امتحن الله قلوبهم: أي اختبرها، كذا وقع في بعض النسخ بجمع الضمير وهو راجع إلى قوله: ناس من أبنائنا وإخواننا وأرقائنا ووقع في بعض النسخ (قلبه) بإفراد الضمير وهو الظاهر، والضمير راجع إلى من (يخفصها) أي يخرزها من الخصيف وهو الضم والجمع (تحفة الأحوذي 10/218) . [4] قوله: ثم التفت إلينا علي فقال: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من كذب علي" إلخ مقصود علي رضي الله عنه بالالتفات إليهم وذكر حديث "من كذب" على أنه قد سمع الحديث المذكور من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكذب عليه. (المصدر السابق 10/218) . [5] الترمذي: السنن 5/297-298 كتاب المناقب، باب المناقب علي بن أبي طالب رضي الله عنه. [6] السنن الكبرى 9/229.