قال: فقال ذلك أبو بكر[1]، قال: قلت: تكتب لي كتابا يكون آية بيني وبينك، قال: اكتب له يا أبا بكر، قال: فكتب لي كتابا في عظم، أو في رقعة[2]، أو في خزفة[3] ثم ألقاه إليّ، فأخذته، فجعلته في كنانتي[4]، ثم رجعت، فسكت فلم أذكر شيئا مما كان حتى إذا كان فتح مكة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفرغ من حنين والطائف، خرجت ومعي الكتاب لألقاه فلقيته، قال: فدخلت في كتيبة من خيل الأنصار، قال: فجعلوا يقرعونني بالرماح، ويقولون إليك! إليك! ماذا تريد؟
قال: فدنوت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على ناقته، والله لكأني أنظر إلى ساقه في غرزه كأنها جمارة، قال: فرفعت يدي بالكتاب، ثم قلت يا رسول الله، هذا كتابك لي، أنا سراقة بن جعشم، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يوم وفاء وبر، أدنه"، قال: فدنوت منه، فأسلمت. ثم تذكرت شيئا أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه فما أذكره، إلا أني قلت: "يا رسول الله، الضالة[5] من الإبل تغشى حياضي، وقد ملأتها لإبلي، هل لي من أجر في أن أسقيها؟ قال: "نعم، في كل ذات كبد حرى أجر".
ثم رجعت إلى قومي، فسقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقتي6.
والحديث رواه موسى بن عقبة فقال: حدثنا ابن شهاب قال: حدثني عبد الرحمن بن مالك بن جعشم المدلجي أن أباه مالكا أخبره أن أخاه سراقة بن جعشم [1] عند ابن إسحاق والواقدي: "أن الذي كتب لسراقة هو أبو بكر الصديق".
وعند البخاري: "أنه عامر بن فهيرة" قال الزرقاني: "والجمع بين هذا أن عامراً لما كتب طلب سراقة كتابة أبي بكر الصديق لشهرته وعظمته". (شرح المواهب 1/348) . [2] الرقعة: بالضم المراد بها هنا قطعة من أدم كما جاء عند البخاري. [3] الخزف، محركة: كل ما عمل من طين وشوى بالنار حتى تكون فخارا. (القاموس المحيط 3/132) . [4] الكنانة: بالكسر: الجعبة التي يجعل فيها السهام. (النهاية 1/274، القاموس المحيط 4/264) . [5] هذا الجزء من الحديث رواه ابن ماجه من طريق ابن إسحاق، وأحمد من طريق ابن إسحاق أيضا ومن طريق معمر عن الزهري (سنن ابن ماجه: 2/1215 كتاب الأدب، باب فضل صدقة الماء، مسند أحمد: 4/175) .
(سيرة ابن هشام 1/489-491) .