وقد قصدنا في عرضنا للملابسات التي اكتنفت هذا الأمر استيضاح وتبيان المكانة التي حظيت بها هذه السيرة من قبل الباحثين.
وقبل تبيان المناحي التطورية التي اضفتها هذه السيرة على مثيلاتها من كتب السيرة الأخرى يجب علينا تأكيد أن ابن حزم قد حاكى فيها النهج الذي اكتسبه شيخه ابن عبد البر في كتابة السيرة، إذ وضع كتاب ابن عبد البر (الدرر) نصب عينيه عند كتابته لمصنفه هذا، فاستدل على ذلك محققو هذين الكتابين بمقارنتهما بعضهما ببعض [44] ، إذ بينوا مواضع الاقتباس في كل منهما [45] ، مع تأكيد محقق كتاب الدرر أن ابن حزم قد نقل فقرات كاملة من ابن عبد البر عند حديثه عن مبعث الرسول إلى نهايته، إذ يقول في معرض حديثه عن هذا الأمر: " وبلغ من قيمة هذه السيرة واهميتها في عصره أن وضعها ابن حزم تلميذ ابن عبد البر علما منصوبا أمام بصره حين حاول أن يصنف سيرته النبوية ... فضلا عن كونه لم يتابع ابن عبد البر في نسق كتابه وما تضمنه من أحداث وأسماء الأعلام فحسب بل كان كثيرا ما يتابعه في سرد كلامه ناقلا نص عبارته مع شيء من التصرف أحيانا، وقد يترك النص الذي ينقله عن أستاذه دون تصرف ونراه يتابعه في كثير من مراجعاته وآرائه حتى ليظن من لم يقرأ ابن عبد البر أنها ثمرة اجتهاده" [46] ، ولكن ابن حزم لم يشر في أي مكان من سيرته إلى اسم ابن عبد البر وسيرته التي ألفها حينما اقتبس من نصوصها، مع العلم أنه قد وضع قائمة بأسماء المصادر التي اعتمد عليها في كتابه هذا [47] . [44] ينظر، عباس، الأسد، مقدمة تحقيق كتاب جوامع السيرة، ص 8، ضيف، مقدمة تحقيق كتاب الدرر، ص 14- 15. [45] ينظر، ابن حزم، جوامع السيرة، ص 44، 58، 97، ابن عبد البر، الدرر، ص 35- 39، 50- 51، 101. [46] ينظر، ضيف، مقدمة التحقيق، ص 15. [47] ينظر، جوامع السيرة، ص 33، 36، 38، 40.