وضع مختصر قريب المأخذ سهل المتناول في أيدي طلابه كما فعل في كثير من رسائله التأريخية ... وأنه كان في هذا المختصر يضع الأصول التي لا يستغني عن تذكرها أو استظهارها كل من اشتغل بالسيرة النبوية من طلاب العلم وقد تكون هذه الغاية التعليمية باعثا أكيدا يحدو عالما مثل ابن حزم إلى كتابة السيرة النبوية" [77] ، وقد تبين لنا في الفقرة التي أو ضحنا فيها إسهام سيرة ابن حزم في تطور كتابة السيرة إلى قصور هذه الغاية أمام الغايات الأخلاقية التي حفزت ابن حزم في تصنيف سيرته هذه.
2. الحافز الأخلاقي، إذ تمثل هذا الحافز بكتابة بعض مؤرخي السيرة لمصنفات الغرض منها التبرك بذكر سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم وأحواله والتقرب بها إلى الله في الحصول على المغفرة والمثوبة والشفاعة له من قبل نبيه الكريم، إذ تمثل هذا الحافز في كل من السيرة التي كتبها ابن عبد البر للرسول صلى الله عليه وآله وسلّم حيث افتتحها بالقول: " فذكرت مغازيه وسيره على التقريب والاختصار والاقتصار على العيون من ذلك دون الحشد والتخليط وإلى الله أرغب على الأمل فيه والتوفيق لما يرضيه فهو حسبي لا شريك له" [78] ، وأوضحت مقالة ابن حزم التي مفادها: " من أراد خير الاخرة وحكمة الدنيا وعدل السيرة واحتواء على محاسن الأخلاق كلها واستحقاق الفضائل بأسرها فليقتد بمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وليعتمد أخلاقه وسيره ما أمكن" [79] ، هذه هي الأمور التي أوضحت مكانة سيرة الرسول وأثرها في تهذيب النفوس والأخلاق حتى [77] عباس، الأسد، مقدمة التحقيق، ص 5. [78] الدرر في اختصار المغازي والسير، ص 29. [79] مداواة النفوس وتهذيب الأخلاق، تصحيح محمد أدهم البستي، مصر، د، ت، ص 13.