وأخذت لفظة السيرة تستقل بمدلولها وذلك في القرون التي تلت القرن الثالث الهجري [16] باستثناء ما قام به الكلاعي (ت 634 هـ) من تسمية كتابه (الاكتفا في مغازي الرسول والثلاثة الخلفا) وتعرضه لجوانب كثيرة جدا من سيرة الرسول ولا سيما الدعوة الإسلامية في المرحلة المكية مدمجة مع أعماله العسكرية (المغازي) [17] .
ويعزو الدوري هذا الترابط بين هاتين اللفظتين إلى استمرار فكرة الأيام التي كانت- مع القبائل العربية قبل الإسلام- متعلقة بأذهان المسلمين، فأخذوا يسردون المغازي مشفوعة بذكر الحوادث التي سبقتها والتي تلتها [18] .
لم تقتصر استعمالات لفظة (سيرة) على حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلّم وطريقة سلوكه وعيشه بل تعدتها إلى الحديث عن شخصيات أخرى، إذ ابتدأت على هيأة محاولة من قبل الخليفة عمر بن عبد العزيز (99- 101 هـ) يطلب فيها من سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب (ت 106 هـ) كتابة سيرة جده عمر بن الخطاب (رض) في أهل القبلة وأهل العهد [19] .
لم يكتب لهذه المحاولة النجاح فقد أجاب سالم بن عبد الله بن عمر على طلب الخليفة بالقول" أما بعد فأنك كتبت إلي تسألني ... أن أكتب لك بسيرة [16] ينظر حاجي خليفة، كشف الظنون، 2/ 1012- 1013. [17] ينظر سليمان بن موسى، الاكتفا، تحقيق: مصطفى عبد الواحد، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1968، 1/ 8- 278 [18] عبد العزيز، بحث في نشأة علم التاريخ عند العرب، دار المشرق، بيروت، ط 1، 1960، ص 43. [19] ينظر عبد الحكم، عبد الله (ت 214 هـ) سيرة عمر بن عبد العزيز، تحقيق: أحمد عبيد، مكتبة وهبة، القاهرة، ط 5، 1954، ص 102.